“بلا ولا شي”!
هل قلت “ثقافة وفكر” يا هذا؟ هل أنت مجنون أم تهذي أم أنّ جنيّاً مسّك فصار لسانك يحكي ما لا تريد؟! أيّ ثقافة يا هذا وأي فكر وأي علوم، وأهل الجهل لم يتركوا مكاناً إلا وتسلقوا مفاصله حتى خنقوه بتفرعاتهم التي تشبه تفرعات نبتة خبيثة تسلقت شجرة ليمون بديعة فأهلكتها وسرقت رائحتها.
يا رجل أشتهي أن أستمع إلى أغنية لم يلوثوها، وقصيدة لم يحرفوا معناها، ورواية لم يضربوا زمنها، وفيلم لم يجعلوه هزئاً، ومسلسل جيد “لله في الله”، كما يقال، دون أن يمسخوه، فالفن كما تعرف يكفي أن يكون جميلاً، يكفيه هذا ليكون جيداً، دعك من فذلكة الرسالة الفنية، فما أوصلنا لعصر الانحطاط هذا إلا عندما رحنا نسمي خربشات الدجاج أدباً، واللوحة المائعة الألوان فناً تشكيلياً، وتلك الرموز الشخصية جداً، والتي لا يدرك إلا الله والراسخون في الصبر معناها، شعراً، وتلك الصور المتلاحقة فيلماً سينمائياً أو مسلسلاً درامياً، وماذا أخبرك عن المسرح؟! والله إني لعاجز أن أخبرك بأي جملة مفيدة عن حاله وأحوال خشباته بعد أن تكسر قفصه الصدري وصار “غرزة”.
يا رجل كان الفنان “الفنان” يعني ، يجلس إلى قلمه وأوراقه لشهور بل لسنين طويلة، ليخرج بما سيبهر به العالم ويجعله خالداً في الوجدان الجمعي، رسالة الغفران مثلاً، أو البخلاء، أو الحب في زمن الكوليرا، وغيرها الكثير من نتاج الأدب والفكر والفن العربي والعالمي، الآن يجلس أحد صغار الكتبة إلى كيبورده ومفاتيحه وشاشته، وبجلسة واحدة ومن دون أن يغير قعدته، ينهال علينا برواية متل “البلوكة في حجمها” أو مجموعة شعرية من نوع “الهايكو” أو “الومضة” أو سيناريو كامل ومنجز لفيلم سينمائي روائي طويل، هناك كاتب، لم أعد أذكر اسمه الآن–لكني لست عاجزاً عن ذلك- كتب مسلسلاً من ثلاثين حلقة بوقت مذهل يُدخله موسوعة غينيس للسرعات المذهلة لو أراد!
وتقول لي: أدب وفكر وفن و”لاب لاب لاب”!! اصمت.. هذا ليس أدباً وفكراً وفناً، هذا زمن الفهلوة والعلاقات “اللي من تحت لتحت” أو “من فوق لفوق”، ما من فرق، ولا تعني جودة المضمون والرسالة الفنية والفكرية إلا الممسوس مثلي ومثلك ومثل عدة أشخاص أيضاً منتشرين هنا وهناك كبقع ضوئية حمراء على خارطة الطقس، وإن كنت لا تصدقني يا “معتوه فوكنر” أنت، فقم وانظر من النافذة إلى كل هذا الخراب، لو كان كل ما “هرطق” به “محدثو” نعمة النقد والأدب والفن صحياً وصحيحاً، لخفّت مساحة هذا الدمار كثيراً، كثيراً جداً!
تمّام علي بركات