ثقافة وفن

“ما وراء الشتاء”.. إيزابيل الليندي ترتق الجراح أخيراً

 

ثلاثة مصائر لثلاث شخصيات مهاجرة إلى بلاد “اليانكيين” تربطها الروائية التشيلية “إيزابييل الليندي” ببعضها البعض، في سياق دراماتيكي متصاعد للأحداث، وذلك في روايتها “ما وراء الشتاء” الصادرة عام 2017، -نقلها إلى العربية ببراعة كما هي العادة، الراحل صالح علماني-والذي تحل اليوم الذكرى الـ 73 لمولده.

ورغم أن النهاية ستكون هذه المرة سعيدة للشخصيات الثلاث-إيفلين أورتيغا، لوثيا ماراز-ريتشاردبوماستر-إلا أن هذه النهايات المنفرجة الحظ إن صح الوصف، لن يكون الطريق إليها يشبهها، بل إنها ستنطوي على مآس تراجيدية المنحى، وتجارب حياتية “جحيمية”، ستصقل حيوات الشخصيات الرئيسية، وهي في طريقها نحو الخلاص من سياط ماض نارية، تركت آثارها الكاوية في أرواحهم، التي تقلبت على جمر عذابات تكاد تبدو لا نهاية لها.

تسرد الرواية آنفة الذكر، وقائع رحلة عجائبية طارئة، قام بها كل من البرفيسور المرموق ريتشارد، ولوثيا المدرسة المساعدة في واحدة من الجامعات الأمريكية، وهي جارة البرفيسور أيضا، مع المراهقة المعذبة إيفلين، من مدينة بروكلين في يوم ثلجي عاصف، نحو بحيرة متجمدة في مدينة أخرى، وذلك للتخلص من جثة! بعد أن تسبب حادث مروري في الاجتماع الدرامي بين الشخصيات السابقة، وهذه هي الحبكة الرئيسة التي ستبني عليها صاحبة “صورة عتيقة” عملها الروائي، متقدمة نحو تقشير الغلاف الخارجي السميك لدواخل شخصياتها، مع توالي الأحداث وتطوراتها الدراماتيكية.

تعتمد الليندي في سردها لرواية “ما وراء الشتاء” بشكل رئيسي على تقنية “الفلاش باك” متزامنة وتقنية “صوت السرد الداخلي” وهي هنا كما عادة الليندي “صوتها” الملتحم بشخصية “لوثيا”، فمع تقدم صوت السرد الداخلي، يبدأ التقاطع مع عدة مقاطع “فلاش باك” يعود فيها الزمن إلى ماضي الشخصيات، والأحداث التي جرت وأوصلتها إلى ما أوصلتها عليه.

عموماً هذه اللعبة السردية المتناوبة، بين الأزمنة الثلاثة، الماضي/الحاضر/المستقبل/ تبرع بها الروائية اللاتينية الأشهر، وهي تقنيتها المفضلة، في العديد من أعمالها الروائية، مثل “باولا/ابنة الحظ/ بيت الأشباح” وغيرها.

وسيلاحظ القارئ لأعمال إيزابيل، ميلها الواضح هذه المرة، للتشويق، مع عملها اللغوي البارع، في القبض على انتباه القارئ في مطلع كل مقطع ونهايته.

“ما وراء الشتاء” عمل روائي ممتع بدرجة أقل –وهذا رأي شخصي- من أعمال إيزابيل الروائية السابقة، وإن كان لا ينقصه الجهد الكبير المبذول في بناء الشخصيات وتطور الصراع وتقدم الأحداث، وهنا أيضاً لن يفوتني أن أعبر عن مدى البراعة العالية المزاج، في ترجمة “علماني” الساحرة للرواية، وما تضمنته تلك الترجمة من تفاصيل دقيقة، من الصعب فعلاً على أي مترجم آخر الخوض بمثلها، خصوصاً في الأدب اللاتيني الذي يعتمد في مجمله على ما يُعرف بـ: “الواقعية السحرية”.

تمّام علي بركات

 

 

*إيزابيل الليندي

إيزابيل الليندي يونا:روائية تشيلية وُلدت عام1942، حاصلة على العديد من الجوائز الأدبية المهمة، ومن الأسماء المرشحة دائماً للحصول على جائزة نوبل.