الخجل الاجتماعي.. حالة مَرَضيّة أم طبيعيّة!!
التلعثم في الكلام وجفاف الحلق واضطراب ضربات القلب وضيق التنفس والرجفة في اليدين، إضافة إلى عدم القدرة على التركيز والنقاش مع إظهار بعض الحركات الجسدية بالرأس والأيدي، علامات تبدو لدى بعض الأشخاص الذين يعانون من الخجل، أو ما يسمى “الرهاب الاجتماعي”، ويظهر هؤلاء مترددين، قلقين، فاقدي الثقة بالنفس، خصوصاً في المواقف الاجتماعية في العمل أو المناسبات، فمتى يمكن أن نعتبر هذا السلوك مرضياً، وكيف نتخلص منه؟..
خجل طبيعي
يرى أطباء وعلماء النفس أن أسباب الخجل الفيزيولوجي الطبيعي متعددة، حيث أكد الطبيب النفسي عماد الدين حسن، أن أهمها الأسباب البنيوية المتعلقة بالعائلة فقد يكون الأب على سبيل المثال عصبياً جداً أو خجولاً، إضافة إلى الأسباب الاجتماعية والثقافية وحتى الدينية في العائلة، كأن تكون هذه العائلة محافظة جداً، متقوقعة ومنغلقة على نفسها، فهذا يؤدي بالطفل إلى الخجل في المشاركة بالمناسبات والمدرسة والشارع، وهنا يؤكد “حسن” أنها حالة طبيعية لا تنذر بمرض، بل تتلاشى وتذهب أوتوماتيكياً مع توسع دائرة هذا الشخص الاجتماعية، وهي ليست مدعاة للقلق أو التدخل الطبي النفسي، بينما ترى الدكتورة جمانة خزام “علم نفس” أن البذور الأولى للخجل الاجتماعي نجدها غالباً في الطفولة، ومع وصول الفرد إلى مرحلة البلوغ “مرحلة المراهقة” وما يرافقها من تغيرات جسدية ونفسية وبحث عن الذات والهوية ، تنمو هذه البذور وتطفو على السطح ويمكن للأهل أو المعلمين في المدرسة حماية الطفل ووقايته من نمو تلك الحالة لديه وذلك بمحاولة التركيز على الجوانب الإيجابية ونقاط القوة الموجودة في شخصيته والإشارة لها مراراً وتكراراً دون مبالغة حتى لا يتحول هذا الخجل من حالة طبيعية إلى حالة مرضية.
اختلاف
تختلف النظرة إلى الخجل من مجتمع إلى مجتمع آخر، فبعض المجتمعات تعتبره “محموداً” ومن الفضائل التي يتميز بها أصحاب الخلق، وفي هذه المجتمعات لا يمكن اعتبار الخجل إلا حالة طبيعية، ولا يمكن أن يتطور إلى حالة مرضية لأسباب مختلفة أهمها تقدير الوسط المحيط للشخص الخجول واعتباره خلوقاً، وفي بعض المجتمعات الأخرى يعتبر “عيباً” ونقصاً بالشخصية فيبدو الأشخاص الذين يعانون من الخجل في تلك المجتمعات مترددين في التواصل الاجتماعي ويشعرون بالنقص وضعف الثقة بالنفس، وهنا يشير علماء النفس إلى العلاقة المتلازمة بين ضعف الثقة والخجل فمنهم من يرجع الخجل إلى ضعف الثقة ومنهم من يرجع نقص الثقة إلى الخجل، ولكن بالعموم الأشخاص الذين يعانون من الخجل يتميزون بضعف الثقة بالنفس وعدم القدرة على التعبير عما يلج في نفوسهم بسبب الخوف والتردد الذي يعتريهم من المجتمع المحيط.
خجل مَرَضي
ويرى الدكتور حسن أن من أسباب الخجل الذي ينذر بحالة مرضية متعلق بجو العائلة كأن يكون أحد أفرادها عنيفاً أوانفعالياً بشكل كبير، أو نتيجة بعض الأمراض الوراثية المتعلقة بإضطراب نفسي ما، وهذا الخجل يسمى “رهاب اجتماعي ” لايقتصر على المناسبات والاجتماعات فقط، بل يتعدى ذلك ليصبح الشخص متقوقعاً على نفسه ضمن المنزل الواحد مع أسرته فتراه يجلس منفرداً مستقلاً، و لديه خوف شديد وتوتر وقلق، لذلك يمتنع عن الذهاب إلى المدرسة أو إلى الشارع ما يؤدي لإعاقة اجتماعية وعملية، وقد تزداد هذه الحالة سوءاً، فتصبح سلوكياته غريبة فيمتنع عن الأكل، ويتولد لديه شعور دائم بالخوف من كل ما يحيط به فيشعر أحيانا أنه مراقب من ذويه، ويمكن أن يصل به الحال إلى الاعتقاد بأن والده ليس والده، وهذا يسمى “اضطراب زهاني أو فصام ” ولابد من التدخل السريع علاجياً..
وتؤكد الدكتورة “خزام ” أن “الرهاب الاجتماعي” هو حالة يعتقد من خلالها الفرد بأنه تحت مجهر الوسط الاجتماعي وبأنه عرضة للأحكام السلبية وكأن كل الناس لايرون سوى عيوبه فيشعر بالخطر والتهديد والقلق ويظهر ذلك من خلال ردود فعل جسدية كارتفاع معدل ضربات القلب ، احمرار الوجه ، التعرق ، التلعثم في الكلام واضطراب في التنفس بالإضافة إلى عدم القدرة على التركيز ويظهر عليه عجزه عن التحكم بحركات جسده وربما يظهر بعض الحركات غير الطبيعية في الأيدي والرأس وهذا ما يسبب له مزيد من الإحراج والإرتباك، ويعتبر اضطراب “الرهاب الإجتماعي ” من أكثر الاضطرابات النفسية تأثيراً على حياة الفرد فهو يؤثر على حياته الشخصية والاجتماعية والدراسية والعملية.
الرهاب والتنمر
تشير الدكتورة “خزام” إلى أن التنمر قد يكون أحد أهم أسباب ظهور اضطراب “الرهاب الاجتماعي” فتعرض الفرد للتنمر بسبب السمنة أو النحول أو قصر القامة أو القبح أو الفقر ورداءة اللباس، أو حتى الخلفية الاجتماعية، يؤدي إلى نمو مشاعر النقص وضعف الثقة بالنفس والخجل، وقد يكون الأمر مغايراً تماماً، فالذين يعانون من الخجل الاجتماعي ولديهم اضطرابات سلوكية في هذا المجال هم عرضة للتنمر من قبل الآخرين في الوسط المحيط.
علاج الخجل
يؤكد الدكتور حسن أن علاج الشخص الخجول، كبيراً كان أم صغيراً، يتم عن طريق بعض الأدوية التي تساعد على التخفيف من السلوكيات الجسدية، إضافة إلى العلاج النفسي عن طريق تعريضه لمواقف مشابهة لتلك المواقف التي جعلته على هذا النحو، وذلك لرفع عتبة الخوف لديه، وبمساعدة الأهل والمدرسة والوسط المحيط، فتعريضه لمواقف مخيفة أو متوترة بشكل تدريجي تجعله يعود وينطلق مجدداً، وبهذه الطريقة يتم استئصال المشكلة من جذورها، بينما تؤكد الدكتورة “خزام ” أنه يمكن مساعدة الفرد الذين يعاني من الخجل المرضي بوسائل متنوعة في مقدمتها أن يكون الاتجاه بالعلاج عن طريق تقوية الثقة بالنفس لديه من خلال مساعدته على استبصار مزاياه وجوانب القوة في شخصيته وتهيئة الظروف المناسبة التي تمكنه من تحقيق النجاح في المجالات التي يبرع بها، كما يمكن مساعدته في اكتساب مهارات توكيد الذات وتعريضه بشكل تدريجي لمواقف اجتماعية تحتاج للجرأة والشجاعة في طرح الأفكار والآراء، كما يمكن توجيه الأهل والمعلمين لضرورة الانتباه للأطفال الذين يظهر عليهم بعض حالات هذا الاضطراب من خلال تجنيب تعريض الطفل لمواقف محرجة كالاستهزاء به، أو فضح أسراره، أو التحدث عن أخطائه أمام أقرانه، مع ضرورة التركيز على الجوانب الإيجابية ونقاط القوة الموجودة في شخصيته، كما يجب عليهم الانتباه لحالات التنمر التي قد تحدث بالمنزل بين الإخوة أو في المدرسة بين الزملاء ومعالجتها بسرعة للحد من تأثيراتها.
ذكاء أسعد