“الغروتسك” وعودة غودو
ما من أحد ينكر أنّ وجودنا يشبه بيادق الشطرنج على مساحة يتقاطع فيها سواد الانكسارات مع بياض التفاؤل.
وكثيراً ما تلعب الشخصيات البشرية أدواراً على خشبة تستوعب تفاصيل دقيقة تدور في أغلب الأحيان حول بقايا الإنسانية المتآكلة، ومشاهد الخزي والعار التي تقذف بالعالم إلى دوامة الاحتمالات في جدلية الوجود وأسئلته، والبحث عن ظواهر الواقع بأحجيته خلف ستار التناقضات.
وبعد.. ماذا ننتظر؟
مرة سُئل صموئيل بيكت: من هو غودو ؟ فأجاب: لا أعرف عن هذه المسرحية أكثر مما يعرف هذا أو ذاك من الذين يقرؤون المسرحية بيقظة وانتباه، لا أعرف عن الشخصيات أكثر مما تقوله هي، أكثر مما تفعله وماذا حدث لها ومعها، لا أعرف من هو غودو ومن يكون، لا أعرف حتى إذا كان موجوداً أم غير موجود!
طبعاً ما نزال في انتظار أن تتغير النظرة النّمطية لصور الواقع الرمزية، وما نزال نبحث عن ضوء يعيد ألق المفاهيم وتجددها إلى ساحة الاشتغال الفكري الموسوم بطلاوة الابتكار وأصالة الرؤية وعمقها.
نعم، كثيرة هي المشاهد، وكثيرون هم المتسابقون للفوز بسرقة ضوء ما من على خشبة العمل المهني في سلوكيات مكشوفة لا تمنح أجسادهم المتآكلة أساساً أية نقطة ترميمية.
ففي ثمانينيات القرن الماضي، كتبت مجلة ( المختار) اللندنية رسالة شكر من ناقد فني واعد في الصف الثالث الابتدائي، كان قد أرسلها إلى مُخرِجٍ من المسرح الجامعي قدّم عمله للأطفال، جاء فيها: “لقد أحببت المسرحية. كانت أفضل مسرحية شاهدتها على الإطلاق. إنها المرة الأولى التي أحضر فيها مسرحية”.
وما بين المشاهدة والإعجاب ثمة أسئلة ملونة تندرج في إطار انطباعي ذاتي يقف على حافة العمل وتضاريسه في لحظة تأمل محمولة بمقامات اكتشاف من أوسع أبوابها.
إذن، ما بين عنصر الإدهاش والجنوح اللفظي للمتفردين في خدش حس المتلقي، بوح مارق لا أكثر.
نعم، مخطئ من يعتقد أنّ العزف التضليلي على أوتار إدهاشه هو حالة سرمدية.
وكما قلنا إنها سرقة ضوء واستحواذ تصفيق لا أكثر من على الخشبة.
فقد سأل أحد الفلاسفة إمبراطوراً ثقافياً: بماذا يحلم سيدي؟ فرد الإمبراطور: أحلم أن احتل كل اليابسة وأخضعها لسلطاني. فسُئِل من جديد: ثم ماذا يا سيدي؟ فأجاب الإمبراطور: ثم أحتل البحار المسموعة والمقروءة. فقيل له ثم ماذا؟ قال الإمبراطور الغارق في الأوهام : بعد ذلك “سأستريح”، فقال الفيلسوف “ما دامت هذه هي نهاية المطاف، فليخلد الإمبراطور منذ الآن إلى الراحة”.
رائد خليل