ثقافة وفن

 في حفل توقيع “وردة عند الغروب”.. عبد الله نفّاخ: عانيت بسبب أهمية الوالد

لم يكن حفل توقيع المجموعة القصصية “وردة عند الغروب” لكاتبها عبد الله نفّاخ حفلاً عادياً، ذاك أنّه فتح مواضيع شتّى منها ما باح به خلال الحفل ومنها ما نشرها على حسابه على صفحة التّواصل الاجتماعي، فلهذه المجموعة قصّة طويلةٌ بدأت منذ عام 2018 حين قدّمها إلى أحد النّاشرين المهمّين ـ على حدّ وصفه ـ، لكنّ هذا “المهم” أخذ وقتاً طويلاً ليبدي رأيه بحجة العمل والانشغال بغيرها، يقول نفّاخ: لبثتُ صابراً حتّى عام 2020 حين سألته مرةً أخرى عنها، فقال إنّها لا تصلح للنّشر، ولكنّ الاكتئاب وظروفه القاهرة منعتني لاحقاً من الإسراع بالأمر، إلى أن سمعت بالعرض الذي تقدّمه “دار سين للثّقافة والنّشر” وتواصلت معهم وفي اليوم التّالي اتّصلوا فيّ وهكذا جرت طباعتها وإصدارها.

المجموعة التي رفضت في الأمس هي موضوع قراءة ودراسة اليوم ومديح حسب ماقُدّم من قراءات، تقول القاصّة والروائية فاتن ديركي: لوحات قصيرة من الحياة مشبعة بالإنسانية والمسؤولية، تضعنا أمام مفارقات عديدة ومختلفة للإنسان في داخلنا، راسمةً وراء هذه الورود ومضات جميلة وملفتة يغلّفها النّقاء والحبّ تارةً والحزن تارةً وربّما القسوة والوحشية في بعضٍ منها، تقف فيها أمام قيم نبيلة وعظيمة كالشّهادة وحبّ الوطن والوفاء والإخلاص والبقاء والصّدق والعلاقات الاجتماعية، مع الإشارة إلى بعض ردود الأفعال البشرية القاسية وبعض الصّور الاجتماعية غير العادية.

ومن هذه الصّور ما نوّهت بها الشّاعرة سمر تغلبي، توضّح: لفتني التّنوع في الحديث عن المرأة وهذا على خلاف ما يكتبه على صفحته الشّخصية على الـ”فيسبوك”، إنّه يتعامل معها كإنسانٍ له سلبياته وإيجابياته، فنراه يتحدّث عن معاناتها في الحرب والابتزاز الذي تتعرّض له كما في قصّة “هذا أنت”، ويتحدّث عن المرأة الحالمة والوحيدة والمصدومة والحب المؤقّت، ومقابل ذلك هناك حديث عن المرأة المستهترة الباحثة عن الزّيف وهذا كلّه موجود في مجتمعنا، مضيفةً: هناك قصص فيها رمزية أكثر من رائعة كقصّة “واقع” بما تحمله من تناقض بين انتصار الحقّ على المسرح وانتصار الباطل في الحقيقة، أمّا من حيث اللغة فلدى عبد الله مقدرةٌ لغويةٌ عالية، وهو قادر على سبك جمله ارتجالاً بلغةٍ سليمة نحواً ولفظاً.. إنّه يحاول أن يجد لنفسه مكاناً لائقاً في السّاحة الأدبية فهو لا يقلّد أحداً ويكتب ما يمليه عليه قلمه، فهو قادر على تطوير إمكانياته وأدواته والوصول إلى المزيد من الأدب الممتلئ بالحياة.

بهذه اللغة السّليمة وبأبسط طريقة استطاع عبد الله إيصال قارئه إلى المعنى المنشود، يوضّح الشّاعر خليفة العموري:  لقد كان حريصاً على التقاطات إنسانية بعيدة لأنّ معظم قصصه دارت حول شخصية واحدة، ومن مهارته أوصلنا إلى المعنى المراد بأبسط طريقة وبلغة متّزنة بعيدة عن الحشو، لقد عرف فلسفة الحياة لذلك نجد أنّ هناك دعوة إلى التّصالح مع الذّات ومن ثمّ الحياة القائمة على التشاركية والاهتمام والتّعاضد، إنّه يدرك الرّسائل لا بدّ أن تصل إلى الآخر ويكون لها أثرها عليه.. لقد قبضت على نفسك ونحن قبضنا عليه بتهمة الإبداع، وللأسف أي مبدع هو متهم ويُنظر إلى المثقف بنظرة اتّهام لأنّ البعض يخاف من التّنوير والعقل المنفتح..

 

التّوريث أو الوراثة في الأدب، موضوع آخر أثير خلال حفل توقيع هذه المجموعة، فمؤلّفها ابن الباحث أحمد راتب نفّاخ عضو مجمع اللغة العربية، وهذا ما سبب له أزمةً كبيرةً، يوضّح: مع الأسف، هنالك مفهوم لا أدري من أين تسرّب وهو أنّ هناك نوعاً من الوراثة ولاسيّما عند أبناء العظماء، لقد عانيت بسبب أهمية الوالد وطبيعة تعامل أصحاب السّلك التّراثي الذين لديهم نظرة فيها نوع من التّحجّر فهم يعدّون التّراث كلّ شيء ومن لا يشتغل بالتّراث يضيّع نفسه وكل مجريات الثّقافة ضرب في الهواء.. أحد الأشخاص سألني مرّة ماذا تقرأ فقلت له أقرأ في هذه المجلة، فقال لي يجب أن ترميها من النّافذة!!.. هذه العقليات واجهتها منذ الطّفولة وهذا شكّل ضغطاً كبيراً على نفسيتي، وربّما لو تحرّرت من هذا الضّغط مبكّراً لتحررت أكثر وبسرعة أكبر.

موضوع متشعّب تثبت صحّته أو عدمها التّجربة والأيام، تقول الشّاعرة سمر تغلبي: ربّما يصعب على المبدع أن يخرج من عباءة السّلف وربّما الأمر الإيجابي الوحيد هنا هو أن يكون هناك فرصة أكبر لتقديم الشّخص لنفسه أكثر من غيره ممّن لا يوجد في عائلاتهم مشهورون، ثمّ يتقبّلونه برداء والده وهنا عليه الاجتهاد أكثر ليثبت ذاته..

 

نجوى صليبه