خطر لا تتجاهلوه.. اكتئاب الأطفال أكثر من مجرد حالة مزاجية
يعتقد الكثيرون أن الأطفال لديهم قدرة فائقة على النسيان، هذا الاعتقاد السائد يبعدنا عن رؤية معاناتهم الحقيقية، فأحزانهم في الحقيقة تترسخ في ذاكرتهم وتؤثر نفسياً وسلوكياً عليهم، حتى إن مشاكلهم تكون كبيرة للدرجة التي تؤدي لدخولهم في حالة اكتئاب أغلب الأحيان، نعم الاكتئاب، فمشاعر الحزن ليست حكراً على شريحة عمرية محددة، فكما البالغين، يصاب الأطفال باضطرابات في المزاج، ويمرون بصعوبات كثيرة، تبدو عديمة الأهمية بالنسبة للكبار، لكنها ذات تأثير شديد عليهم..
لماذا؟؟
في حديث مع “البعث ميديا” ذكرت الطبيبة النفسية، لانا سعيد، أنه لا يمكن إرجاع الاكتئاب عند الأطفال لسبب محدد، إذ تتداخل عدة عوامل بيولوجية ونفسية وبيئية، ويكون الضغط النفسي الناجم عن انفصال الوالدين أو فقدان شخص أو شيء عزيز عاملاً لحدوثه، كما تلعب الوراثة دوراً في ذلك..
ومن الناحية البيولوجية، يرتبط الاكتئاب بحدوث خلل كيميائي في الجسم ناجم عن نقص هرمون السيروتونين المسؤول عن الحالة المزاجية، إضافة إلى أن تدني تقدير الذات وخيبة الأمل تسهم بالإصابة بالاكتئاب..
تضيف إلى ذلك المرشدة الاجتماعية، سناء خضور، أن للأهل دوراً في ما يحدث مع أبنائهم، وليس الانفصال وحده ما يؤثر عليهم، بل التفاتهم لمشاغل الحياة وتركهم لفترات طويلة وإيلاء مهمة الاهتمام بهم لأُناس آخرين، وإلحاقهم بأنشطة دراسية إضيافة لحين عودتهم من أعمالهم، هذا كله يؤدي إلى فقدان الطفل لمشاعر المحبة التي يجب أن يتلقاها من والديه وأيضاً حرمانه من وقت الفراغ الذي يحتاجه للعب وممارسة الأنشطة التي يحبها، ما يسبب له حالة من الحزن قد تتطور إلى اكتئاب..
عالم افتراضي
الاكتئاب يصيب الأطفال في أكثر أوقات حياتهم سعادة وبهجة، ففي الوقت الذي يجب أن يمضوا أوقاتهم مع إخوانهم وأقرانهم في اللعب والمشاغبة، تسيطر عليهم الأجهزة المحمولة والألعاب الإلكترونية لتجعلهم حبيسي البيوت، مفتقدين للمهارات الاجتماعية والقدرة على تكوين العلاقات مع الآخرين، بحسب الأستاذة سناء، حيث يحولهم التعلق بالعالم الافتراضي لأشخاص انطوائيين يعيشون في عالمهم الخاص، وهذا يصعب عليهم العودة إلى الواقع ويتسبب لهم بصدمة تتحول إلى اكتئاب لاحقاً..
وبالعودة لدور الأهل، ترى الأستاذة سناء أن لجوءهم للهواتف المحمولة لإلهاء أطفالهم عن المطالبة بالخروج والتنزه وحتى اللعب داخل المنزل، كان سبباً في تعلقهم بها واعتبارها منفذهم الوحيد للتسلية، كما أن ضعف التواصل معهم وعدم الاستماع لأحاديثهم وإسكاتهم بحجة الحاجة للراحة والهدوء، جعلهم يشعرون بأنهم غير مرغوبين، ما يقلل من ثقتهم بأنفسهم..
انتبهوا إلى أطفالكم!!
العديد من الأطفال الذين يعانون من الاكتئاب لا يحصلون على العلاج الذي يحتاجونه، نتيجة تغاضي الأهل عما يحدث معهم، لذلك أوضحت الدكتورة لانا عدداً من الأعراض التي يبديها الطفل وتدل على إصابته بالاكتئاب، ومنها تعكر مزاجه أو شعوره بالحزن والملل معظم الوقت، انخفاض اهتمامه بالأنشطة المعتادة، التغيرات المفاجئة بالوزن، والإحساس باليأس والعجز.
الدكتور النفسية لفتت إلى أنه في حال استمرار تعكر المزاج وانخفاض الاهتمام لأسبوعين على الأقل، إضافة لعارض آخر أو اثنين، عندئذ يأتي دور الطبيب المختص، الذي يبدأ بجمع المعلومات لتشخيص الحالة، وهنا نوهت الطبيبة إلى أنه لا يمكن الاعتماد على سؤال الطفل وحده، إذ يعتبر غير قادر على وصف حالته الداخلية وشرح مزاجه الذي يمر به، لذا يجب اعتماد عدة مصادر، منها الأهل والمدرسون والمرشدون النفسيون في المدارس.
الخطوة الأولى
بعد التأكد من حالة الطفل، تبدأ الخطوة الأولى في طريق العلاج، وفي هذه المرحلة بالتحديد على الأهل أن يكونوا على اطلاع تام بصحة ولدهم ومرضه، وفقاً للدكتورة لانا، حيث بينت أن العلاج يمكن أن يأخذ شكلاً نفسياً أو دوائياً أو الاثنين معاً..
وأشارت إلى أن أسلوب العلاج يختلف حسب عمر الطفل، فاللعب يُعد خياراً جيداً للأطفال الصغار، ويتضمن الحديث عن المشاعر وتبادل القصص التي تساعد على خلق مواقف يستطيع من خلالها الطفل أن يشعر بالحرية الكاملة ويعبر عن نفسه بطريقته الخاصة.
في حين يعتبر العلاج المعرفي السلوكي نموذجاً أكثر فعالية مع الأطفال الأكبر عمراً، يساعدهم على اكتساب مهارات التعامل مع المشكلات ومواجهة الأفكار السلبية ويزودهم بالمهارات اللازمة لفهم مشاعرهم..
التعبير عن الذات
وتشارك الأستاذة سناء الطبيبة الرأي فيما يتعلق بعلاج الاكتئاب، وتؤكد على أن الأطفال بحاجة للعب والتواصل، خاصة مع الأهل، إذ يحبذ الطفل قضاء وقتٍ مع أهله وإخبارهم بقصصه ومغامراته، لذا يجب تخصيص وقت للأسرة، حتى يبدي كل فرد رأيه ويستمع الكبار لأفكار صغارهم ورغباتهم، كما يُفضل تحديد وقت لاستخدام الأجهزة الإلكترونية وتنمية مواهب أخرى لدى الطفل، وتسجيله بنشاطات يفضلها، إذا أمكن ذلك.
التعبير بالرسم
هناك العديد من الأنشطة التي يمكن للطفل أن يعبر من خلالها عن نفسه، والرسم أحدها، وهذا ما عمل عليه قائمون على مرسم، حدثونا عن مشروعهم، الذي بدؤوه لإبعاد الأطفال عن الأفكار السلبية والأجواء المشحونة المحيطة بهم، وإعادتهم إلى عالمهم الخاص المليء بالبراءة والإبداع.
ولفتت صاحبة المرسم إلى أن الطفل يشعر بالسعادة عندما يلعب بالألوان، فلا قيود تفرض عليه، حيث يترك للأطفال حرية الإبداع والابتكار وإشباع فضولهم حول الأشياء الجديدة التي يتعاملون معها، ما يعزز ثقتهم بأنفسهم..
كما أن مشاركة الآراء حول لوحاتهم تشعرهم بالراحة للتعبير عما يجول في خاطرهم، وكأنهم شخصيات مستقلة تعمل على مشروعها الخاص، يتعلمون من أخطائهم التي يرتكبونها ويحولونها إلى أفكار جديدة قد تكون أكثر جمالاً وإبهاراً.
رغد خضور