ورشات بناء دراميّ!
ليست الكتابة المشتركة أمراً طارئاً على الدراما السورية، فهي تجربة جُسّدت باحتراف عبر التوءمة الكتابيّة بين حسن سامي يوسف ونجيب نصير، تجربة أخذت حقها من الوقت والجهد لتتبلور وتؤسّس لولادة أعمال تركت بصمتها الخاصة، من “زمن العار” إلى “الانتظار” وصولاً إلى “فوضى”، أعمال كان فيها كل من الكاتبين عارفاً للآخر، مكمّلاً وملهماً له، فإن كان يوسف، وهو الرّوائي المقتدر، قد امتلك القدرة على خلق عالم درامي متماسك البنية، موجّه المسارات والرؤى، احترف فيه نسج الأحداث ولامس إنسانيّة الإنسان وقضاياه، فقد استطاع نصير بناء عوالم شخصيّاته بإتقان ليتوغل بأعماقها ويتقمص كيانها، فمنحها روحها وتكلّم بلسانها لتتجسّد شخوصاً حياتيّة من لحم ودم، تنبض بالواقع وتتحاور بلغته، ليتوحّد البناء وتكتمل الصّورة..
لا ريب أن ما بين الكاتبين يوسف ونصير هو طفرة، من الصعب بزمان ما تكرارها أو إيجاد نظير لها، نموذج يحتذى، ومن الضروري الإفادة منه بكل حيثياته وتفاصيله، تمهيداً لخلق تجارب مشابهة، تصبّ في محاولات رفع سوية الدراما المحلية، لكن اللافت اليوم، هو التوجه نحو الكتابة المشتركة عبر الاعتماد على ورشات درامية لعدد من المؤلفين، مجموعة من الكتّاب من ثقافات متعددة، وبالضرورة توجهات ورؤى مختلفة، يجمعهم بناء عمل درامي، دون مراعاة للأسس التي قد تجمع مجموعة مؤلفين على كتابة عمل واحد، فكيف يمكن لرؤى متعددة وأصوات مختلفة أن تشكل رؤية واحدة، وما هو السبيل الذي اعتُمد لتتلاقى فيه الخطوط الدرامية المختلفة، وما هو نصيب المتلقي من هذا كله..
لعل الأساس في العمل الإبداعي، هو تفرد مبدعه به، وامتلاكه خصوصيته التي تميزه عن سواه، من خلال الإحساس الذي تكتنزه التفاصيل ويتجسد عبر الحوار، فهو صاحب الفكرة والمتحكم بمسارات شخصياته ومصائرها بناء على خبراته وثقافته، ليكون هو الناظم للعمل يحيكه بتأن وينسجه بفسيفسائه الخاصة ويلونه بألوانه لتتشابك المسارات وتتقاطع المصائر حتى يصل لرؤيته، ليولد عمل إبداعي يحمل طابعه، أياً كان هذا العمل فنيا أم أدبياً، من هنا يأتي طرح تفضيل فردية العمل الإبداعي، والتساؤل حول أسس الورشات الدرامية..
التجربة عموماً طور النضوج وهي بحاجة للرعاية والاهتمام، لتثبت نجاحها بشكل واضح، دون أن تقع في مطب تشتت الأحداث وتعدد الأصوات الذي أصاب “شارع شيكاغو”، حين اتكأ على نص تم إعداده من خلال ورشة عمل جماعية بإشراف المخرج محمد عبد العزيز، وبمشاركة يزن الداهوك، علي ياغي، ورزان السيد، فرغم تميز الحكاية، غاب التماسك عن نص العمل فأتى غير محكم النسج يحتوي العديد من الثغرات التي أفقدته مصداقيته في بعض مشاهده والقدرة على الإقناع.
بالمقابل، تمكّنَ علي وجيه ويامن الحجلي من توحيد رؤيتهما في مسلسل على صفيح ساخن، إخراج سيف السبيعي، ليقدما نصاً تميز بالقدرة على البناء المحكم للشخصيات ومدها بأبعادها النفسية والسلوكية، والاعتماد على التكثيف المتصاعد للأحداث وفق خيوط درامية حبكت بعناية دون الخروج عن النفس الواحد، وتأتي هذه الثنائية الموفقة في الكتابة بعد عدة تجارب مشتركة للثنائي توحي بالمزيد، أبرزها تجربتهما في مسلسل عناية مشددة للمخرج أحمد إبراهيم أحمد..
لا يمكن، في أي حال، تجاهل أهمية مثل هذه الورشات التي يمكن أن تمهد وتؤسّس لأقلام شابة تريد أن تكتسب الخبرة من أقلام الكبار، إضافة إلى زخم الأفكار والأحداث التي يمكن أن تتوالد في النص الواحد، على أن يتم ذلك في ظل وجود كاتب درامي يمتلك الخبرة والقدرة، يشرف على الكتابة، ويكون ربّان سفينة النص بالكامل يقود المؤلفين إلى بناء النص وتسلسل الأحداث دون أن يضيع بين زحمة الأفكار وتعددها وتنوعها، إنما يوحّد المسارات ويوجهها نحو النص الجيد والمحكم، مع مراعاة ألا يتعرض هؤلاء الشباب للاستغلال، تحت مسمى “الورشة” لصالح كتاب آخرين..
هديل فيزو