الحرب الثقافية على روسيا تكشف وجه الغرب الحقيقي
مارست الدول الأوروبية استهدافها للثقافة الروسية بحجة أنها تدافع عن قضية ولكن هذا الأسلوب من الاستهداف لم يكن الأول، هو سلسلة مكررة تستخدم ضد أي دولة أو شعب يقف أمام الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها وقد رأينا ما حلّ بالقطع والأعمال الفنية التي أعارتها روسيا لإيطاليا والصين، وتبلغ قيمتها أكثر من 40 مليون يورو، حيث تمت مصادرة بعضا منها في طريق العودة خلال مرورها عبر فنلندا.
يقول رئيس المركز الثقافي الروسي العربي مسلم شعيتو في تصريح لـ سكاي نيوز: “محاربة الثقافة الروسية ورموزها، وهي المعروفة بعراقتها وتعدديتها واحتفائها بالمكونات القومية والدينية والطائفية المختلفة المكونة للاتحاد الروسي، سعيا وراء ضمان سيادة النمط الثقافي الأميركي الاستهلاكي حول العالم، والقائم على جملة قيم بسيطة تضخها وسائل التباعد وليس التواصل الاجتماعي كما أسميها، بهدف قولبة العالم وتنميط المجتمعات العالمية وفق رؤية أحادية أميركية”.
وضمت هذه الحرب الثقافية على روسيا طرد القائد الأساسي في أوركسترا ميونيخ الفيلهارمونية، فاليري كير كييف، وإلغاء حفلات عازف بيانو عبقري مثل ألكسندر مالوفيف فى مونتريال، رغم أنه أعلن جهرا أنه ضد بوتين. ومهاجمة حتى من يتحدث الروسية في الشارع، ومعاقبة مطعم تشتم منه رائحة روسيا، ونبذ طلاب أقسام الآداب الروسية في الجامعات الأوروبية، والتنمر عليهم في وسائل التواصل، كما عادت نجمة الأوبرا العالمية الروسية، آنا نيتريبكو إلى بلادها لإقامة حفلات موسيقية في مسرح «البولشوى» ومسارح أخرى، بعد أن اضطرت لإلغاء كل حفلاتها في نيويورك وأوروبا.
هذه الجبهة لم يكن هدفها فقط، موسيقيين وكتب وأفلام وإغلاق أبواب المهرجانات، إنما هي أيضا فتح طريق للأوربيين يبرر إيذاء أي روسي مهما كان. وكانت بريطانيا من المشجعين لهذه المقاطعة الثقافية ونفت وزيرة الثقافة الفرنسية، روزلين باشلو دخول فرنسا في حرب مباشرة مع روسيا، وإنما المقاطعة هى «للمؤسسات الروسية الرسمية، والفنانين الذين اتخذوا موقفا واضحا من نظام بوتين». لكن ألمانيا كان موقفها مختلف من هذا العداء الثقافي، وحذرت وزيرة الثقافة الألمانية، كلاوديا روت، من «تطور نزعة مقاطعة الفن والثقافة الروسيين والاشتباه الشامل بحق جميع الفنانين الروس، وكل المواطنين روسيين الأصل». واعتبرت الثقافة الروسية جزءاً من الثقافة الأوروبية.
هذه الجبهات التي فتحت بالتزامن مع الحروب العسكرية في بلدان كثيرة، وذاقت منه سورية في الحرب ما ذاقته، بالتعرض للمواقع الأثرية والمراكز الثقافية، وسرقة آثار وقطع فنية، وإخراج العديد من الأعمال الفنية السينمائية والتلفزيونية لتشويه الحقيقة، يؤكد أن الفن، هو جزء مهم وحساس ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بالسياسة.
ولا شك أن الفن مر بالعديد من المراحل بدءاً بالمذهب البرناسي الداعي للفصل بين الأدب والقضايا الاجتماعية والسياسية، إلى مذهب “الفنّ لأجل الفنّ“، المبتعد عن الاعتبارات الوطنيّة والاجتماعيّة والسياسيّة، وصولاً إلى الذاتيةَ والاشتراكيةَ الفنية والتي تعتبر أن الكثير من الأعمال الفنية، في المجالات المختلفة من الفنون استلهمت الأحداث السياسية وتعرّضت بشكل مباشر لموضوعات سياسية، وفي الفنّ التشكيلي والأدب والموسيقى والرسم والنحت أمثلةٌ كثيرة ارتبطت بالحروب، منها البروباغندا التي انتهجها المتحاربون خلال الحرب العالمية الثانية واستخدموا لغايتها كلَّ أنواع الفنون، من الملصقات إلى السينما والمسرح والرسم والأدب والشعر، وحرب الملصقات التي انتهجها كلٌّ من الجيش الألماني والبريطاني، وما صاحبهما من دعايةٍ هائلة رافقت المعارك، وحتّى سبقتها، وصورت الملصقات الأميركية الموجّهة اليابانيون على أنهم قبيحون أشبه بالجرذان.
الفن سلاح فتاك أخطر من الأسلحة لأن آثاره على الشعوب تمتد لمئات السنين، معركة جبهتها مفتوحة دائما، لا تقارن بالساحة العسكرية المحدودة، وتخشى عواقبها.
البعث ميديا || ريم حسن