ملاحظات حول مسلسل “كسر عضم”
البعث ميديا || تمّام بركات:
“فساد، إيدز، جريمة، سفاح قربى، مخدرات، خيانة” وغيرها من المفردات الحاضرة في الأعمال الدرامية السينمائية والتلفزيونية، التي تعتمد نوع “الأكشن” لتقديم فرجتها للجمهور، هذه المفردات وغيرها ليست بالجديدة على الدراما المحلية عموما، وهي من العلامات الحاضرة بشكل خاص في المشروع الدرامي لمخرجة مسلسل “كسر عضم” رشا شربتجي، ومنها “غزلان في غابة الذئاب، الولادة من الخاصرة ج1، الولادة من الخاصرة ج2، زمن العار” وهذا النوع من أنواع الدراما التلفزيونية، يقوم أساسا عنصر الجذب والتشويق فيه، على تقديم الصادم والبشع والفضائحي، بحجة تقديم الواقع، لكنه فعليا استنساخ رديء للواقع ومجتزأ، باهت بلا خيال أو إبداع، ولا يقدم إلا العموميات التي لا إسقاط مباشر لها، سواء على مستوى الحدث أو على مستوى الشخصية، فمثلا شخصية “الحكم” المسؤول الفاسد والمجرم، هي شخصية عمومية بلا أبعاد، بمعنى أنها ليست شخصية ذات إسقاط درامي محدد وواضح، وما يجري من أفعال شنيعة برعايتها، هي أيضا أفعال عمومية ليست ذات إسقاط ودلالة، قتل، تهريب، ترويع، اغتصاب، إنها تجميع مبالغ فيه لأفعال صادمة وقذرة، بقصد تضخيم البشاعة وبالتالي زيادة الإثارة التشويق، والتي جاءت في “كسر عضم” كما في غيره من مسلسلات رشا شربتجي، إثارة رخيصة وتشويق مبتذل، يشبه في شكله وجوهره، ما كان يُعرف بـ: “الصحافة الصفراء”.
إلا أن هذه الأعمال ليست جريئة في تقديم محتواها كما يتم الترويج لها، وما تدعيه من جرأة في تقديمها لحالات قاتمة، موجودة في كل المجتمعات، سواء في زمن الحرب أو غيره، لا يعدو عن كونه تكرار سمج للعديد من الحالات المشابهة التي قدمتها الدراما المحلية عموما، مسؤول فاسد، قواد، قاتل، لص، تاجر مخدرات، وما يختلف هنا هو كيف نقدم لا ماذا نقدم، وكيف نقدم، كما أسلفنا سابقا، صار يعتمد على البشاعة والتهويل، عوض اعتماده الموضوعية.
إلا أن ثمة خطوط غير مباشرة في كل عمل درامي، تساهم في تقديم المقولة البعيدة أو غير المباشرة له، وفي مسلسل “كسر عضم” ثمة خطوط غير مباشرة، لكنها بالغة التأثير، ظهرت في العمل وبشكل كثيف، لتقدم مقولة العمل غير المباشرة، بشكل يدعي العفوية، لكنه ليس كذلك، ومن تلك الخطوط نورد الأهم:
يخطئ كل من يظن أن “كسر عضم “يسيء للسلطة الأهم في البلاد، والتي هي سلطة “القانون”، فتقديم مظاهر الفساد والجريمة، وفق ترميز عمومي وخطوط درامية عمومية، مثل أستاذ جامعي بلا أخلاق، مسؤول فاسد ومجرم، ضابط بلا ضمير، هذه شخصيات عمومية، قدمتها الدراما السورية بأنواعها – مسرح/ سينما/ تلفزيون – مرارا وتكرارا، وبمستويات مختلفة من البشاعة والشر، فمن “أبو الحكم”؟ وبماذا يختلف عن شخصيات مشابهة تابعها الجمهور سابقا؟ وهنا نشير إلى الإثارة الرخيصة التي تم اعتمادها في تبيان انتماء “أبو الحكم” الأنتربولوجي، من خلال لهجته، في المشهد الشهير الذي يضم به ابنه المنتحر، وحتى هذه النقطة، لم تترك دون ما يقابلها، فثمة لهجة مشابهة سنستمع لها من الشخصية المضادة لشخصية أبو الحكم في كسر عضم، شخصية “البطل” عدا عن كون معظم الأحداث والشخصيات التي تدور في فلك الجريمة والفساد، مستنسخة بشكل رديء من الواقع، لا إبداع فيها، شرورها مباشرة، غبية، سهلة، مطروقة مراراً، شخصية الأستاذ الجامعي عديم الأخلاق، المحامي الوضيع، وغيرها، إلا أن سؤالا يطرح نفسه وسط معمعة الشخصيات في العمل، والسؤال: من هو البطل في “كسر عضم”؟
صفات البطولة في “كسر عضم”، تجتمع في شخصية “مروان” الشخصية المضادة لشخصية “أبو الحكم” وليس في شخصية “عبلة” كما يظهر في المسلسل، ومروان ضابط برتبة متوسطة “رائد” يخدم سلطة القانون ويرمز له، شريف، نظيف الكف، قوي الشخصية والبينة، ذكي، فعال، لماح، قادر على تنفيذ كل المهام الموكلة له، همته في العمل في قمة ارتفاعها، وروحه لم تتلوث بمغريات الحياة، يحترم القوانين ويطبقها على الجميع، يواجه أعتى المجرمين أينما كانوا، لا تعنيه مناصبهم أو منزلتهم الاجتماعية أو السلطوية، شهم، منضبط بالقوانين لكنه أيضا يعمل عندما يحتاج منه الأمر وفق فهمه الشخصي النبيل لروح القانون، إنه يد القانون الضاربة، وهو محط ثقة قيادته وحكومته، إنه لسان حالها هنا.
هذه هي الشخصية الحقيقية المضادة لشخصية “أبو الحكم” في مسلسل “كسر عضم” والتي اجتهد الكاتب “علي معين صالح” على إخفاء بطولتها، أو جعل بطولتها غير مباشرة، بتوزيع بطولات فردية أخرى بلا معنى غالبا، كشخصية “عبلة” وهي ليست أكثر من زوجة رجل مهم، أو شخصية “ريان” الابن الذي ينتحر عندما تحتدم المواجهة، وهذه ليست من صفات البطل، فكل صفات البطولة للشخصية المضادة في الدراما، يتمتع بها مروان، وهذا أمر تكفلت مخرجة العمل رشا شربتجي، في إظهاره على أحسن وأفضل وجه، فما من مرة يظهر فيها مروان أثناء عمله، إلا وتكون كل مظاهر التقدير والاحترام والسيادة، حاضرة معه، بدء من التحية العسكرية القوية التي تُضرب له من قبل مرؤوسيه، الذين يظهرون حوله وأمامه وخلفه، بهندام عسكري منضبط ومحترم يعكس علاقتهم بعملهم، – الرائد مروان يظهر في زي مدني أغلب الأوقات- وليس انتهاء بالحرص على ظهوره بكامل أبهته حيث يكون، إنه قادر على متابعة التحقيق في القضية التي ستودي بـ أبو الحكم، رغم نقله إلى مكان عمل آخر في جهاز أخر، وهو بشكل فعلي من يعمل على مكافحة مختلف الجرائم التي ظهرت في العمل، والتي تدور في فلك “أبو الحكم”.
أيضا لا بد من ملاحظة المظهر المحترم والمنضبط الذي يظهر به الجهاز القانوني، الأمني، على مستوى المكان والشخصيات، مكان عمل الرائد مروان مثلا، الزي الرسمي للعناصر، فاعليتهم في التعامل مع مختلف المهام الجسيمة، وغيرها من المظاهر، التي حرصت شربتجي على تقديمها بشكل محترم ولائق، يحمل مقولة مضادة للمقولة الأخرى التي يقدمها العمل، والتي أثارت العديد من ردود الأفعال المستهجنة لها.
وإذا، مسلسل “كسر عضم” لا يقدم ما هو جديد في الفكرة والمضمون، ولا في الحكاية أو الشخصيات والأحداث، لكنه كما أسلفنا يعتمد على البشع والصادم والأصفر، كعوامل جذب وشد للمشاهد، بحكم أن المتلقي لدينا لا يزال يعتقد أن الجرأة تكمن هنا، وهذا غير صحيح، وهو من جهة أخرى يقدم أيضا مقولة غير مباشرة، تظهر مؤسسة القانون وسلطته بأبهى صورها، بل وتجعل من الشخصية التي ترمز له في العمل “الرائد مروان” الشخصية “الملك” وبكل جدارة.