“البنت التي لا تحب اسمها”.. رحلة في عالم الأساطير
كثير من التساؤلات تجول في خاطرنا، كأن نتساءل لمَ أُطلق علينا الاسم الفلاني حصرا وليس غيره؟، لمَ لا نبقى بلا اسم حتى نبلغ مرحلة معينة ومن ثم نختار نحن أسماءنا؟، حبذا لو يكتفي الأهل بمناداتنا كل حسب صفة تميزه على غرار “يا طويل، يا قصير، يا سمون، يا أبو عيون عسلية”……الخ؟.
أمنياتنا هذه شاركتها معنا “زهرة الساردونيا” بطلة رواية “البنت التي لا تحب اسمها” حالمة بعالم يختار فيه كل إنسان اسمه بحرية، مدركة في قرارة نفسها أنها لو سألت أمها عن وجود هكذا مكان فستضحك وتقول “عقل أطفال، لاغير”. تسرد الروائية “أليف شافاك” حكاية “زهرة” التي تحب المطالعة وسماع الموسيقى والرسم واللعب بالكرة والقفز على الحبل إضافة لصنع الحلوى، وتحب أن تقتني الحيوانات كقط أو كلب أو غيره ولكن أمها “خيال” تمانع رغبتها هذه، إلا أن الشيء الوحيد الذي كانت لا تحبه هو اسمها رغم تأكيدات أمها بأن اسم “زهرة” كغيره من أسماء الزهور كالياسمين والنرجس وغيره..
تعيش “زهرة الساردونيا” في الدور الثالث من عمارة زرقاء وسط “اسطنبول”، ذات شعر أصهب يصفر في الصيف ويعود للأحمر في الخريف، والنهار، تتعرض للتنمر بسبب اسمها الذي تخجل منه وتحبس دموعها، وكلما قرأت المعلمة اسمها أثناء التفقد اليومي يصيح الطلاب بصوت واحد “في الأصيص”.
تفضل اللعب بمفردها وتشعر بأنها وحيدة في العالم خاصة بعد أن وجدت أعز صديقاتها تسخر من اسمها وتضحك خفية كلما ذكره أحد، فينكسر قلبها وتحزن، إلى أن أهداها والدها السيد “حسن” سلحفتين مائيتين أسمتهما “الليل والنهار” فباتتا صديقتيها الوحيدتين.
تستغرب الفتاة من تصرفات البالغين مثل ردود أفعالهم على المواضيع التي لايرغبون في سماعها فتكون إما بالتجاهل أو تغيير الموضوع مرفقاً بابتسامة وكان هذا جلياً حينما تشتكي لأبويها من اسمها، ولكن بحسب رأيها الكلام مع الكبار بوضوح كإمكانية هطول الثلوج في شهر آب.
وتسلط الروائية الضوء على ذكاء الأطفال الذي يراهن عليه الكثيرون وذلك من خلال استغراب “زهرة” من الكبار الذين رغم إدراكهم لفائدة قراءة الكتب إلا أنهم يُقاطعونَ الأولاد في أثناء قراءتهم، لكنَهم لا يقتَربون من الطفل المُنهمك في الدِّراسة، فغالباً ما إن تبدأ بقراءة كتاب اختارته للقراءة تبدأ طلبات أمها اللامتناهية على النقيض تتركها تنهمك في قراءة دروسها حد الانغماس.
كانت الطفلة شغوفة بالمعرفة تحب مادة العلوم ومعجبة بكروية الأرض حتى أن والدها أهداها “اطلس” في عيد ميلادها فكان لا يفارقها في البيت وتأخذه إلى المدرسة بين الحين والآخر.
كان حلمها أن تنظم حملة في المدرسة للمحافظة على الخضرة ولكن غالباً ما ترددت من استهزاء الأولاد فمن غير المنطقي أن يقوم شخص اسمه “زهره الساردونيا” بحملة لحماية الأشجار والنباتات.
كانت الكتب أقرب صديق لها منذ طفولتها باعتبار لم يكن من المسموح لها اللعب في الحي رغم شوقها لأن تقيم صداقة مع الأطفال ولكن أمها لم تسمح لها باعتبار لم يبقَ لعب في الحي كما كان في الماضي وتنهي الحديث بجمله “نقطة انتهى”.
تحب يوم العطلة الذي يعني خروجها برفقه أبيها للتجول في الحديقة وأكل الحلوى والسير على ساحل البحر “حديث البنت مع أبيها”.
تمنت كثيراً أن تكون كبيرة ليكون لها عملها الخاص وبيتها الخاص بدل أن تكون طفلة حينها لن تضطر للركوب في الحافلة مع أشخاص لا تحبهم، ليس لديها واجبات منزلية وتستطيع النوم حالما شاءت، فبحسب رأيها حياة البالغين أكثر سهولة ولكنهم لا يلاحظون ذلك لأنهم نسوا ما عانوه في طفولتهم لو أنهم يذكرون ذلك لعرفوا كم هم محظوظون ولكنهم في تأفف دائم.
شدة ملاحظتها تجلّت في استغرابها أن يهتم الناس بنظافة بيوتهم ولايعتنون بنظافة مدينتهم التي يعيشون بها فكانوا يرمون العلب الفارغة من نوافذ السيارات ويتركون بقايا طعامهم ولا يرمونها في القمامة، كيف يمكنهم أن يكونوا مهملين في شوارعهم وقمة النظافة في بيوتهم؟ إنها من أسرار الكبار التي لم تستطع الفتاة فهمها أو حلها، معاهدة نفسها أنها حين تكبر لن تسكت أولادها بجواب قصير كما يفعل أبواها بل ستنصت لهم دائماً.
تنقلنا الكاتبة من عالم الواقع إلى عالم الخيال عبر عثور الفتاة على مجسم الكرة الأرضية في مكتبة المدرسة، وتتعرف من خلاله على صديقين غريبي الأطوار من القارة الثامنة “زهراء، آصواي” وتسافر معهما إلى قارتهما السحرية التي تستورد الخيال وتصدر الحكايات وتصاب بالجفاف بسبب تراجع القراءة وقلة الخيال عبر بهتان الشعاع الذي يصدر من الكرة السحرية الذي كان دليلهم إلى القارة والذي يشع كلما اقتربت من الكتب ويبهت كلما بَعدت عن الكتب فتتبنى الطفلة وصديقاها إنقاذ الخيال.
بعد جولتها في بلاد الأساطير غدا كل شيء مختلفاً بالنسبة لها، تغيرت دون أن تشعر بذلك، لم تعد تحزنها الأشياء التي كانت تحزنها فيما مضى، وباتت تمضي أوقاتاً كثيرة مع أصدقائها وتقرأ الكثير من الكتب، وكلما قرأت رواية أو ألّفت قصة أو كتبت شعراً تخضر شجرة في القارة الخضراء وتتفتح زهرة وتجري المياه في الأنهار الجافة ويغرد عصفور، حتى إنها أقامت حملة الحفاظ على البيئة، في البداية لم يهتم إلا عدد قليل من التلاميذ لكن فيما بعد شارك آخرون، وفي آخر السنة شارك الجميع وصار العمل ناجحاً بين جميع المدارس، وغدا عدد قليل من الطلاب يسخرون من اسمها، وخاصة عندما رؤوا أنها لم تعد تبالي بكلامهم واستهزائهم حتى أكثرهم مشاكسة أقلع عن السخرية منها، وحتى ارتفعت درجاتها في الاختبارات المدرسية، وباتت ممتازة عندما لم تعد تخاف من مادة الحساب فصار لديها أصدقاء جدد والأهم أنها بدأت تحب نفسها وباتت “زهرة الساردونيا الفتاة التي تحب اسمها”.
الجدير ذكره أن الرواية شيّقة وتستحق القراءة بجدارة ومناسبة لكل الأعمار، وهي ملأى بالعبر والدروس التي حفلت بها صفحات الرواية التي لم يتجاوز عددها المائة والستين صفحة.
ليندا تلي