قضايا اجتماعية عبر “كان ما كان”
البعث ميديا || آثار الجوابرة:
يضعنا ميخائيل نعيمة أمام رائعة من روائعه القصصية “كان ماكان” التي تدور أحداث حكاياتها في أوائل القرن العشرين، ويركز فيها على علاج قضايا اجتماعية بالدرجة الأولى..
يأخذنا الكاتب في قصته الأولى “ساعة الكوكو” نحو مجتمع بسيط، ليروي لنا حكاية مليئة بالتصوير والوصف والتأمل، وضع في جوفها الأمثال والحكم والمواعظ، تبدأ أحداثها بعودة المهاجر الى قريته حاملاً ساعة من نوع الساعات الدقاقة تعلن الوقت بقرع الناقوس بلسان طائر اصطناعي في داخلها، هذه الساعة التي لم يشاهدها أبناء القرية في حياتهم قط، كانت نقطة تحول في حياة البعض، فلقد كانت كفيلة بإغراء فتاة القرية لتترك حبيبها التي تنوي الزواج منه وترتبط بالمهاجر الذي عاد الى القرية، صاحب الساعة، ليهاجر الحبيبب الذي كان يشعر بالخيبة والرغبة بالانتقام ورد الاعتبار لنفسه، فترك الأهل والقرية وحب حياته باحثاً عن أحلام شبيهة بساعة “الكوكو”، وتدور الأيام ليعود ويلتقي بحبيبته التي كانت في حالة يرثى لها، سببها الأساسي الانقياد وراء المظاهر وعدم الاهتمام بالمضمون والجوهر والذي ينبغي أن يكون الحب هو أساسه.
وتدور أحداث القصة الثانية “سنتها الجديدة” في قرية اسمها “يربوب”، هي بلدة لبنانية غاية في جمال نسائها ومشروباتها، ليصور لنا الكاتب حياة أهل القرية وعاداتهم الاجتماعية، لكن المشكلة التي تثار هي أن أبا ناصيف، وجيه القرية، رزق بعدد كبير من البنات ويرغب في طفل يحمل اسمه واسم عائلته، فالبنت لاتحمل اسم الأب، حسب معتقداتهم، وفي لحظة انتظار المولود الجديد، كانت جل أمنياته أن يكون المولود ذكراً، وحينما حانت ساعة الولادة وعلم
أن المولود طفلة أخذها وقام بدفنها وهي حية، وأخبر أهل القرية بأن المولود ذكر ولكنه قد ولد ميت، تذكرنا هذه القصة بأيام الجاهلية ووأد البنات وهن على قيد الحياة..
“العاقر”، هو عنوان القصة الثالثة، التي تعالج موضوعاً اجتماعياً موجوداً في مجتمعاتنا العربية، حيث يقوم نعيمة بتسليط الضوء على حالة اجتماعية تتعرض فيها المرأة، بشكل خاص، لكم هائل من الضغط المجتمعي غير العادل، فيقص علينا تفاصيل حياة زوجين، عزيز وجميلة، اللذين يعيشان حياتهما بسعادة وهناء وبعد هذا الزواج يتعرض كلاهما لصدمة تأخر الحمل فيبدأ أهل الزوج والزوجة بانتظار موعد الحمل على أحر من الجمر، وبعد أن يتأخر الحمل تبدأ المشاكل الحقيقية، حيث تسحب من الزوجة كل الامتيازات التي كانت قد قدمت لها فهي غير قادرة على إنجاب وريث لزوجها وأهله، ويصور لنا نعيمة ما تتعرض له المرأة من إذلال من قبل حماتها التي تجبرها على مراجعة أطباء ومشعوذين وعرافين كثر.. ما يجعل المرأة تتصرف بطريقة غير متوقعة، لتلجأ في النهاية للانتحار الذي كان سببه مجتمع متخلف وقاس، يحاول فرض قوالبه الجاهزة للحياة على الجميع، ويرفض كل من يخرج عنها، حتى وإن كان الأمر ليس بيده..
أما قصة “الذخيرة” فتبدأ بذكر تلك العلاقة الوثيقة بين الراوي وبين شاهين بطرس الجزيني العائد من البرازيل بطرس الذي كان يتميز بعذوبة حديثه، ويحاول ميخائيل خلال هذه القصة إرسال صور غريبة من نوعها، كأن يروي فيها، مثلاً، قصة الأفعى التي ابتلعت ثوراًضخماً!..
وفي قصة “سعادة البيك” يحاول نعيمة أن يصوّر لنا ألوان الصراع الطبقي في المجتمع والتمسك بالألقاب البالية، من خلال أسعد الدعواق، تلك الشخصية التي وضعها الكاتب كمثال حي للشخص المتمسك بالألقاب والسلطة، فأسعد ينحدر من أسرة ذات مال وجاه ومكانة، ومن بعد هذا الجاه انقلبت الأمور، ولم يعد يحظى بلقب البيك في البلدة، ما دعاه للسفر خارج الوطن حاملاً في دواخله هذا الفكر العنصري المنحدر.
تميّزت مجموعة “كان ما كان” بأسلوب سلس وممتع، مليء بالوصف مع إعطاء بعد فلسفي للأحداث، إضافة إلى تضمين القصص الكثير من الأمثال والأقوال السائدة بين الناس.