فلسفة اللون في الثوب الحوراني
من حسن حظ المرء أن الشمس تشرق كل يوم، وبإشراقتها تتكشف لنا أسرار شبه غامضة لثقافة مجتمعات غادرتنا منذ عدة قرون ولم نزل نتمثل بقدر كبير منها.
إن الإضاءة على عادات وتقاليد المجتمع في جنوب سورية تكشف لنا عن ثقافة حضارة عمرها سبعة آلاف عام، ومن أكثر الحضارات التي قد توغلت في هذه المنطقة والتي كان لها دور في إضافات ثقافية عدة مثل الحضارة البابلية والآشورية والسومرية، ومن أهم ما يميز كل منطقة هو الزي الشعبي لسكانها وتتمثل أهمية هذا الزي بدراسة فلسفة اللون في زخرفة الثوب الحوراني للمرأة من حيث شكله وألوانه، فاللون الأسود للثوب الذي هو لباسها الأساسي لكل المناسبات، وهو أيضاً لون لباس المرأة السومرية الذي ارتبط بدور المرأة وموقفها المتآزر مع الرجل والذي أيضاً يمثل مشاعر الحداد إلى حد ما.
ليس من السهل فهم طبيعة فلسفة الألوان المختارة في زخرفة الثوب الحوراني، أجل إنها قضية غير سهلة كونها موغلة في القدم ولا نعلم بأي حال على وجه التحديد ما الذي دفع المرأة لاختيار هذه الألوان، ويمكن لنا أن نؤول هذه المسألة من خلال توضيح بعض الخصائص والميزات والسمات التي يختص بها الثوب الحوراني دون غيره، حيث لم يكن الثوب مليئاً بالزخرفة كثياب بعض المناطق الأخرى كمنطقة سراقب ومنطقة جبل العرب وغيرها، وإنما كان محلى بزخارف هندسية تجريدية لا تعتمد التشخيص أو المحاكاة ولم تكن الألوان المستخدمة ألواناً صريحة أو صاخبة.
علماً أن المراة الحورانية استخدمت عدة زخارف لكل منها تسمية خاصة: الصياني – مسائد – عقربة – رجل النملة – جنزير – صجبة –الليرات – تقنية الدرزة أو الدرازة.
وفي خضم هذا أيضاً، قدم الباحث مصطفى فتحي كتاباً بحثياً حول ماهية الألوان والفلسفة، ووسع دائرة البحث بالحديث عن الفن الفلاحي في سورية، وبالأخص في المنطقة الجنوبية، فمن الميزات الهامة التي يتمتع بها الثوب الحوراني أنه أقرب ما يكون إلى فن الحفر والغرافيك، وأبعد مايكون عن فن التصوير، حيث إنه يسمى (بالرقم) والرقم هو عمل ختمي أشبه بأعمال الطباعة، أما الأشكال تبدو كأن هناك ما هو غائر وما هو نافر، الغائر هو لون الشكل أي لون الثوب نفسه والذي غالبا مايكون اللون الأسود، بينما الخط الخارجي للشكل هو الذي تقوم المرأة بوضع لون الخيط به، حيث تبدو في النهاية الزخرفة على شكل ثلاث حقول طويلة، كل حقل له لون، ويتكرر، أصفر أحمر أزرق، ولذلك الزخرفة الحورانية المنقوشة على الثوب لاتسمى تطريزاً وإنما (رُقم)، والألوان المستخدمة هي الألوان البيئية التي حولنا، الأحمر هو تربة سهول حوران، والأصفر يرمز لسنابل القمح والحصاد، والأزرق يمثل الفضاء وأفقه الواسعة.
آثار الجوابرة