التخوّف من إسعاف المصاب لا أساس له.. ما حقيقة ذلك قانونياً؟..
نسمع الكثير عن الحوادث المرورية التي يتنصل مسببها من إسعاف المصاب، متخوفاً من المسؤولية وما يتبعها من توقيف، وهذا حال بعض المارة أيضاً، وبعضهم يكتفي بالاتصال بالإسعاف ويهرب، إلا أن هناك قلة قليلة يتعاملون مع الموقف بإنسانيتهم وينسفون بالمحاسبة القانونية عرض الحائط ويهرعون لنجدة المصاب..
وهنا أذكر حادثة في أحد الأحياء الشعبية، عن عراك بين يافعين قام أحدهم بطعن الآخر بقدمه وهرب على دراجته النارية وبقي الآخر ينزف على مرأى الجميع، والكل يقول “ما دخلني، ماني مضطر انحبس.. فرضاً مات الشب”، إلى أن قام شخص غريب عن الحي بإسعافه، ولكن للأسف كان الموت له بالمرصاد قبل وصوله المستشفى.
هنا تتبادر لنا الأسئلة، كيف يحمي القانون المسعف؟ وهل التخوف من المعاقبة له أساس قانونياً، وغير ذلك من الاستفسارات التي فندتها لنا القاضية المستشار ميادة شريف الكوش..
أوضحت القاضية الكوش أن القانون السوري يعاقب بالحبس من شهر حتى ثلاثة أشهر وبغرامة ٢٥ ألف ليرة سورية، ويتم حجز المركبة وتحسم ١٦ نقطة من البطاقة الممنوحة له في حال ارتكبت مخالفة من مخالفات السير التي عددها القانون، ومن ضمنها عدم الوقوف في حال ارتكاب حادث مروري أدى إلى إصابة إنسان بأضرار جسدية ولم يسعف المصاب، ورغم ذلك تنوه الكوش بأن القانون رغم ذلك منح مرتكب الحادث الذي لم يسعف المصاب عذراً مخففاً إن أثبت وجود خطر على حياته في حال لم يقم بإسعاف المصاب كوجوده بمنطقة غير آمنة مثلاً.
ولكن في حال قام مسبب الحادث بترك المصاب والهرب فإن أغلب الناس يترددون في إسعاف المصاب، وقد يكتفون بالاتصال بالإسعاف، وذلك خوفاً من المسؤولية، ما قد يؤدي إلى نتائج وخيمة ووفاة المصاب، لكن هذا التخوف، وفق القاضية، في غير محله، لتبين أن اعتقاد الناس أن هناك إجراءات عن احتجاز المسعف إنما هو اعتقاد ليس له أساس في القانون، وليس في قانون السير أي مادة قانونية تسمح بهذا التوقيف لأن كل ما هو مطلوب من المسعف تفاصيل هويته والإدلاء بأقواله كشاهد أمام الجهات المختصة ليس إلا، ولو أخذ منه هذا الإجراء بعض الوقت إلا أنه في النهاية هو عمل إنساني.
كما تنوه الكوش إلى وجود تعميم صادر عن وزارة الداخلية بعام ٢٠١١ بهذا الخصوص، وأن أغلب المواطنين ليسوا على دراية به، والذي يقضي بعدم توقيف المسعف والاكتفاء بأخذ تصريح منه بأنه ليس هو مسبب الحادث فقط، إضافة إلى أن التعميم المذكور قد تضمن تكريم المسعف بإرسال بطاقة شكر له من وزارة الداخلية تقديراً لموقفه الإنساني بإنقاذ حياة إنسان، وذلك تشجيعاً من الوزارة للمواطنين وبث روح المبادرة وتنمية الحس الأخلاقي والإنساني والوطني في نفوسهم.
ورغم مرور مدة زمنية طويلة على صدور هذا التعميم، وفق ما ذكرت القاضية، إلا أن أغلب الناس مازالوا يجهلون وجوده، ومازالوا يتخوفون في إسعاف أي مصاب سواء بحادث مروري أو نتيجة تعرضه لإطلاق ناري أو لأي سبب كان، وذلك لعدم علمهم بهذا التعميم وعدم علمهم بعدم وجود أي نص في القانون السوري يقضي بتوقيف المسعف. وختمت القاضية حديثها بضرورة بث روح الثقافة القانونية لدى الناس، من خلال شاشات التلفزيون أو الراديو أو الصحف أو وسائل التواصل الاجتماعي كافة، ونشر التعميم على أوسع نطاق ليطّلع عليه أكبر قدر ممكن من الناس، لأن المواطن الذي يعرف القانون ويعلم بوجود هذا التعميم لا يتردد في إسعاف أي مصاب بدافع الشعور الإنساني وعدم تخوفه من توقيف ليس له أساس قانوني على الإطلاق.
ليندا تلي