ثقافة وفن

وداعا دياب مشهور..وداعا صوت الفرات العذب

مات دياب مشهور، نقابة الفنانين في سورية، نعت هذا الفنان البديع، الملتحف عباءة الشمال السوري، والحامل بوجدانه أصالة الشمال وفنه الرفيع.
مات صاحب الصوت الفراتي العذب، الذي أطل على الجمهور بمشهد كسر كل قواعد فن الغناء وصورة الفنان التي يجب أن تُراعى بالنسبة لجمهور حساس جداً يتعامل بجدية بالغة مع الفن قبل غيره، فدياب مشهور المولود تحت قمر الرضا عام -1946- الفنان السوري وابن مدينة دير الزور الحبيبة، لم يطل من على خشبة مسرح يرتدي بزة أنيقة وتسريحة شعر مصففة بعناية بالغة، كما أنه لم يظهر في فيلم سينمائي إلى جانب حسناء شقراء تُنسي المشاهد كلام الأغنية ولحنها، بل حتى مغنيها، بل من خلف قضبان السجن، وفي يديه “الكلبشة” التي كان يضعها جيرانه في الزنزانة (أبو الغور وأبو عنتر وياسينو وغيرهم من نجوم الدراما السورية الكبار) بعد أن قدّمه الراحل نهاد قلعي على الشكل التالي: “مطرب السجون والمعتقلات وعندليب القواويش والمنفردات، السجين المزمن المشهور بهيك مجالات، دياب مشهور بمرافقة فرقة السجن الموسيقية”، إلا أن فناناً أصيلاً يُدرك أن العبرة بما سيغنّي لا بالصورة، فالأغنية التي سيغنّيها ستجعل الناس المتسمرين أمام الشاشة يرقصون طرباً “يابو ردين” التي غناها في مسلسل “ملح وسكر” وكان من قبل قد غنّى أيضاً وفي نفس الصورة الدرامية “ميلي عليّ ميلي” أيضاً سجين يبث لوعاته وأشواقه، فيبث لوعات وأشواقَ من هم معه خلف القضبان، ومن هم موجودون أيضاً خلف الشاشة يستمعون لأغانٍ بديعة من التراث السوري الفراتي، طارت من الشمال والشرق السوري بلهجتها الثقيلة وحطت في القلوب محلياً وعربياً.
يُعيد الفنان ذياب مشهور إلى الأذهان بديهة تقول: إن الصوت الجميل الأصيل لا يمكن تعويضه، هذا الفنان الفراتي الأصيل بصوته والمميز بإحساسه البليغ، ترك بصمة للغناء باللهجة الفراتية في سورية والعالم العربي وما زال جمهوره ومحبوه يرددون أغانيه بنفس الحماس، كما لو أنهم معه خلف قضبان ذاك السجن الجميل.
واليوم بوداعه، نستنهص ذكريات حبيبة وغالية، كان له أن ساهم في تكوينها وعصبة من الفنانين الكبار الذين ظهر بينهم، منهم من سبقه إلى خلود فني لا يضام، ومنهم من يودعه معنا وفي قلبه كسرة حزن رفيع.
دياب مشهور، لروحك السلام، ما تركته من إرث فني وإنساني عظيم، باق وصورتك العذبة، أبدا في البال.
تمّام بركات