كيف يرسم الجيل الجديد فاتح المدرّس؟
حلب-غالية خوجة
الأديب التشكيلي الحلبي فاتح المدرّس رسم بإحساس الألوان والكلمات والمعزوفات وأحواله المتوغلة مع أحوال الناس، وصعد مع دلالاتها إلى مراكب لوحاته ليترك بصمته على الطبيعة والوجوه والحداثة الفنية المحلية والعالمية التي كرسها مع فوز لوحته “كفر جنة” بالجائزة الأولى عام 1952 في المعرض السنوي الثالث، وليكتب قصصاً وأشعاراً إضافة إلى رحيله مع العزف الموسيقي، وهذه المواهب المتعددة تداخلت في أعماله الإبداعية، وهذا التداخل سرٌّ من أسراره المتناغمة مع أبعاد أخرى أهمها أنه يترك نصاً مثقفاً يعبر من الحياة إلى اللغة الأبجدية واللونية ليعود بصياغته الأسلوبية الخاصة به إلى الحياة.
فماذا عن احتفالية مئوية فاتح المدرس في الموسم الخامس من أيام التشكيل السوري التي انطلقت برعاية وزارة الثقافة وتشاركياً ببن مديريتي الفنون الجميلة ومديرية الثقافة بحلب في صالة تشرين والمستمرة لغاية 20 تشرين الأول الجاري والمتضمنة إضافة ـ لهذه الورشة والمعرض ـ لندوة عن حياة المدرس ومعرضاً جماعياً؟
رائحة الألوان تدلّ على حيوية المشاهد التي يمكن أن يتخيلها الداخل للصالة، وهو يشاهد انطلاق الاحتفالية مع فيلم عن المدرس تعرضه الشاشة، و40 عملاً متوزعاً في الصالة، ليكتشف أن الجيل الشاب من مركز فتحي محمد للفنون التشكيلية يفرش الألوان على القماش مستفيداً من تجربة المدرّس بإشراف كل من الفنانين أيمن أفندي ولوسي مقصود المدرسة في مركز فتحي محمد والتي أجابت “البعث” عن سؤال: هل هذه الورشة التشكيلية استنساخ للوحات المدرس؟ قائلة: الأعمال ليست استنساخاً، بل محاولة لرسم جزء من لوحاته مع إضافة مناسبة عليها، أي إخراج آخر لأجزاء من اللوحات، والهدف أن يتعلم المشاركون أسلوب وتقنيات المدرس، لأنه حالة خاصة بين فنان وقاص وشاعر وعازف، وكيف يرونه من هذه الجهات الأربعة، كما أني أشرت إليهم أن يفهموا دلالات ألوانه وإحساسه وتأثره بها، وكيف يرسمها كإنسان وفنان وكاتب.
وتابعت: لأن المدرس كإنسان يأخذ اللون كدلالة، ويدخل أعماقه ثم يصدّره معجوناً مع الإنسانية، ولونه الأزرق، مثلاً، اندفاعي رغم أنه لون بارد، بينما الأسود فهو مقاتل، كذلك الأحمر لون انفعالي ومقاتل، لكنه، ربما كان يخشى الأخضر، وأرى أن أعماله تتسم بمزجه للغرب مع روحانية الشرق.
وبدوره، رأى التشكيلي بشار البرازي أن المواهب الشابة تشارك لتطور طاقتها من خلال تعرفها إلى تجربة المدرس المميزة، مع تمتعهم بهامش حرّ للرسم من وحي المدرس الذي حقق بصمته في تشكيلاته وترتيباته الهرمية التي مرت بعدة مراحل منها كولاج بالرمل، تحويرات، أشكال هندسية، وأهمها المرحلة الأخيرة بوجوهها البسيطة المكررة والعميقة وما تتمتع به من هدوء داخلي، وبإمكاني القول بأن لؤي كيالي اتسم بالتعبيرية الواقعية بينما فاتح المدرس فاتسم بالتعبيرية التجريدية، وهو أول من أتى بالحداثة إلى سورية وحولها إلى حداثة محلية تبدأ من القرية والرموز المزركشة والوجوه والملامح المنطلقة من “كفر جنة” إلى العالم.
بينما ركّز الفنان محمد صفوت المشارك ببورتريه للمدرس على الوحدة بين موسيقا اللون وإيقاع المخيلة والأعماق والشعر التي تشبه أصابع البيانو حتى في صمتها وهي تتحول مع تشكيلات المدرس إلى لوحات متفردة.
وعن مشاركتها في هذه الاحتفالية، قالت طالبة الصف العاشر هبة الله شاهين: تجربة جميلة ونوعية بدأت بها وأنا أشعر بأنني فنانة لأول مرة من خلال هذه المشاركة في احتفالية تشكيلي وكاتب ومعرض هام.
والملفت أن طفلة صغيرة مبتسمة في الصف الرابع تشارك أيضاً، اسمها ناديا الأفندي، وأخبرتني بأنها ترسم منذ 6 سنوات، وتابعت: أخذت قطعة من رسومه في لوحتين أشارك بهما، وأحببت أعماله لأنه شاعر وقاص ورسومه جميلة، وأتوقع أن أرسم الأجمل بالتمرن والتخيل.