لا مثيل له في العالم.. اكتشاف أثري نادر في مدينة الرستن
أعلنت المديرية العامة للآثار والمتاحف عن اكتشاف أثري نادر، تم العثور عليه في مدينة الرستن بمحافظة حمص، وهو عبارة عن لوحة فسيفساء من العصر الروماني، لا يوجد لها مثيل في العالم.
واللوحة المكتشفة عبارة عن مشهدين رئيسيين، وفق وصف مديرية الآثار، المشهد الأول هو ثلاثة أطر ودائرة بالمنتصف، فيها رسومات لأخيل مع ملكة الأمازونيات، وتجسيد لهرقليس مع ملكة أمازونيات أخرى، وحول الإطار رسوم لأمازونيات مع ملوك اليونان، وهي إشارة إلى قصة أسطورية معروفة في النصوص الأثرية للملحمة الشعرية “الإلياذة” والتي تتحدث عن حرب الأمازونيات بين طروادة واليونانيين.
وتضم اللوحة أيضاً أسماء ملوك اليونان كافة الذين اتحدوا ضد طروادة، وأسماء الملكات الأمازونيات وبعض الشخصيات التي ذكرتها النصوص الأثرية وشخصيات أخرى لا يوجد لها ذكر في تلك النصوص، وفي اللوحة تمثيل لآلهة الرياح، إضافة إلى فصول العام ورسومات متجهة مع عقارب الساعة.
مدير التنقيب والدراسات الأثرية في المديرية العامة للآثار والمتاحف، ومدير البعثة في موقع الرستن الدكتور همام سعد، أوضح في مؤتمر صحفي اليوم أن هذه اللوحة اكتشاف مهم جداً، ليس على مستوى المنطقة، وإنما على مستوى العالم، وتم اكتشافها أثناء إجراء أعمال تنقيب عن لوحة أخرى وطبقات أثرية ضمن منزلين بمدينة الرستن، كانت المديرية بالتعاون مع متحف “نابو” في بيروت قد استملكوهما، ليقوما بأعمال تنقيب فيهما.
وبالعودة لبداية القصة قال الدكتور سعد: في عام 2017 وإثر الأنفاق التي تم حفرها والتعدي على الآثار بطرق غير شرعية في تلك المنطقة من قبل التنظيمات الإرهابية التي كانت موجودة فيها آنذاك، حاول العديد من الأشخاص سرقة لوحات أثرية ومحاولة بيعها أو تهريبها، وكان منها لوحة عرضها أحد الأشخاص على صفحات الفيسبوك آنذاك، ولكن بعد تحرير المنطقة من التنظيمات الإرهابية عام 2018 تم إعلام مديرية الآثار والمتاحف من قبل الجهات الأمنية المختصة في الرستن، بأن هناك معلومات عن وجود لوحة أثرية ولوحات أخرى، فقامت المديرية بالتعاون مع دائرة آثار حمص بالكشف عنها، وكانت موجودة داخل منزل، ويبدو أن لها امتداداً للمنزل الملاصق، وتم الحفر والردم مرات عدة للحفاظ على اللوحة، لأنه يجب استملاك المنزلين، للتمكن من إجراء عمليات التنقيب بشكل أفضل ودون أذية اللوحة، ثم تم اتخاذ قرار بالتريث إلى حين اتخاذ إجراءات استملاك المنزلين، وهو ما حصل بالتعاون مع مجلس أمناء “نابو” في بيروت، حيث تم شراء المنزلين ونقل ملكيتهما لمصلحة المديرية العامة للآثار والمتاحف، وتمت بعدها أعمال التنقيب، وحين وصلنا إلى اللوحة الأساسية التي تحدثنا عنها منذ عام 2018 كانت المفاجأة باكتشاف لوحة أخرى أهم وأكثر ندرة في العالم.
وبين الدكتور سعد أن الدراسات مستمرة للوحة الجديدة المكتشفة، وعمليات التنقيب مستمرة أيضاً لكون اللوحة تمتد نحو البيت المجاور والشارع، وهذه الأعمال تجري من قبل فريق من خبراء المديرية العامة للآثار والمتاحف، مؤكداً أنها اللوحة الأولى بالعالم التي تكتشف بهذه التفاصيل، مضيفاً: كما نعلم الرستن كانت مملكة مهمة في العصر الروماني، وقبل ذلك ذُكرت في النصوص القديمة بالقرن الرابع الميلادي، وتعرف بمملكة أرتيوزا، ولدينا تابوت أثري مكتشف من منطقة الرستن موجود في المتحف الوطني بدمشق، يمثل أسطورة أخيل، وهو منحوت بطريقة جميلة ودقيقة جداً، ونماذجه معروفة، وحتى الآن لا نعلم ما هي حدود مملكة أرتيوزا ولم توجد أعمال تنقيب كبيرة لكون المدينة مأهولة.
وأوضح الدكتور سعد أن مبنى المنزل بالمجمل تتم دراسته، وأعمال التنقيب فيه مستمرة، حيث سيتم هدم البيت الثاني لاستكمال ذلك، وتبين حتى الآن وجود فناء أثري وقاعة مكتشفة طولها عشرون متراً وعرضها نحو ستة أمتار، لافتاً إلى أنه مع انتهاء أعمال التنقيب يمكن بناء متحف فوق اللوحة لتكون متاحة للجميع ومكاناً يقصده السياح من العالم.
عضو مجلس أمناء متحف “نابو” في بيروت سلاف فواخرجي بينت أن القائمين على متحف “نابو” دعموا إجراءات شراء المنزلين واستملاكهما لمصلحة المديرية العامة للآثار والمتاحف في دمشق، وهذا ليس التعاون الأول بينهما، حيث سبق أن قام المجلس بالتعاون مع المديرية بالعمل على إعادة عدد من الآثار السورية المسروقة، مشيرة إلى أن سورية ولادة وبلد تاريخ وحضارة، وهو ما يستدعي من الجميع التعاون لإيجاد هذه الاكتشافات الأثرية المهمة.
رئيس دائرة آثار حمص المهندس حسام حاميش اعتبر أن هذا الاكتشاف اليوم في مدينة الرستن المسجلة في عداد المباني الأثرية لم يأت عبثاً أو بالصدفة، فمملكة أرتيوزا التاريخية هي مدينة الرستن، وكل التنقيبات التي أجرتها مديرية الآثار والمتاحف سابقاً إن كان في سفح تل الرستن أو شوارع المدينة أثبتت وجود هذه الدلائل الأثرية، مشيراً إلى أن هذا الاكتشاف سيفتح المجال لبدء أعمال تنقيب تظهر مكانة هذه المنطقة على الخارطة الأثرية مستقبلاً.
من جهته أشار رئيس شعبة الترميم في دائرة آثار حمص يامن صالح إلى أنه بعد أن تم الكشف عن اللوحة الفسيفسائية، تم تشكيل فريق وطني لمعالجة الإشكاليات التي ظهرت على اللوحة، وإجراء الكشف العيني، ولوحظ غياب وانقطاع لبعض المكعبات وظاهرة الانتفاخ في بعضها، فكانت مهمتنا الحفاظ على اللوحة من التدهور، وفق المنهجية المتبعة عالمياً في الحفاظ على الآثار.
shkh