“لستُ حيواناً”… شكلٌ جديد للرواية العربية
أمينة عباس
كانت الندوة التي أقيمت مؤخراً في مقر الأمانة العامة للاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الفلسطينيين “لست حيواناً” لوليد عبد الرحيم فرصة للتعرف على الرواية من خلال المشاركين في الندوة: د.حسن حميد والناقد أحمد علي هلال ود.آداب عبد الهادي – إدارة الاعلامي ملهم الصالح- وهي رواية سبق وأن صدرتً عن اتحاد الكتّاب والصحفيين الفلسطينيين في بيت لحم، وقام الكاتب بتوقيع طبعة دمشق الصادرة عن دار دلمون في الندوة التي بيَّنت فيها مديرةُ الدار عفراء هدبا أن تبنّي دار دلمون الجديدة للطبعة الثانية-طبعة دمشق من هذه الرواية لم يكن على سبيل المغامرة بل كتأكيد على الشراكة مع دور النشر والمنظمات التي تلتقي مع الدار في الأهداف، موضحة أن الرواية تقوم على سردٍ ماتع على خلفية أحداث عاشها الراوي واستحضر خلالها من التاريخ بعضَ رموزه، ومن الأسطورة ما يدعم أفكاره التي صاغها نثراً حيناً، وشعراً أحياناً، لينفذ إلى كنْهِ الحكاية وغايتها بلغة خارجة عن المألوف.
سردية مكتوبة بمهارة
وأشار د.حسن حميد إلى أن وليد عبد الرحيم معروف كشاعر وله مساهمات منشورة وحضور في الأمسيات الشعرية، وعبر روايته “لست حيواناً” يقتحم عالمَ السرد بجرأة كبيرة وقدرة على رسم مشهدية سردية ذات رشاقة وكثافة ومساحات مكانية متعددة (المخيم، عالم الطفولة، المقاومة) يُضاف إلى ذلك الغنى الاجتماعي لهذه السردية التي بدأت من عالم الأسرة والمدرسة ورفاق الحيّ إلى عالم الجنازات، متوقفاً حميد عند الأمكنة في الرواية، وأولها المخيم وفيه الفلسطيني يرى ويسمع ويتكلم ويمشي وراء حواسه ليس من أجل أن يعي الحال الفلسطينية التي هو في قلبها وإنما ليكبر وينضج في مكان طارئ أنبتته الضرورة ورعاه المنفى، وهو المكان الذي زرع ابن المخيم فيه حلمه وربّاه ليراه على صورة عملية فدائية نتائجها في الغالب الجرأة في اقتحام مملكة الخوف، أما المكان الثالث فهو السجن-الفاصلة المرة الذي حوّلته الإرادة إلى مقلع تُعرف فيه ماهية النفوس وميكانيزمات الرجولة، مبيناً حميد أن الرواية بمشاهدها رسمتْ الخطوط البيانية لحياة الفلسطيني لنرى من خلالها أحلامه التي راحتْ ترتطم بما لا يحب، ومواقفه التي كشفتْ مواقف الآخرين الباهتة، مؤكداً أن الرواية هي سردية مكتوبة بمهارة عين ذات حساسية فنية تجمع المكان إلى القول إلى الحلم.
سيرة كل إنسان
ورأت د.آداب عبد الهادي أن الرواية هي سيرة كل إنسان وكل مقاوم فلسطيني عُذّب وانتُهكت حرمته، وأعادت كعادتها في كل المحاضرات سرد مقاطع عديدة من الرواية لتتيح للحضور التعرف على مضمونها وأحداثها، مشيرة إلى أن الكاتب تنقّل بين السرد والنثر، مع استخدامه لمفردات وألفاظ مرفوضة اجتماعياً إلا أنها كانت موظفة للدلالة على الحالات التي وصفها.
جدلية الرواية والتاريخ والتوثيق
وبيّن الناقد أحمد علي هلال أن “لست حيواناً” هي العمل الروائي الأول للشاعر والسينمائي الفلسطيني وليد عبد الرحيم، وقد حمل نزعة لكتابة تجريبية على مستوى الشكل الفني والسمات التعبيرية، ليقارب جانباً من التوثيق الضروري للحظة فادحة من التراجيديا الفلسطينية، مستثمراً تقنيات سينمائية في سياق روايته التي لا تتماثل مع أنساق الرواية الفلسطينية التقليدية، حيث ذهب الروائي فيها إلى خيارات أسلوبية تكسر الألفة والتوقع مع المتلقي عبر التداعي الحر والاستبطان الذاكروي لتسرد الواقع الفلسطيني دون أن تتعلل بالتوثيق، مشيراً هلال إلى الرواية شديدة الخصوصية في أسئلتها العابرة للجنس الروائي والأنساق المجتمعية عبر التنويع على السيرة والأمكنة والحدث والخيال والواقع ومحاكاة لثيمة الموت وتقديم خطاب شعري بقدر محسوب كما يثري الروائي فيها جدلية الرواية والتاريخ والتوثيق دون أن يتجاوز شرط الفن واحتمالاته الجمالية.
خلطة سحرية
وعن عنوان الرواية صرح الكاتب وليد عبد الرحيم للبعث أن العنوان يجب أن ينسجم مع مضمون أي عمل أدبي أو فني، ورأى أن عنوان روايته صرخة كما الشكل الفني الذي كتب فيه الرواية، مستنداً على خبرته في السينما والمسرح، ومؤكداً أنه حاول أن يقدم شكلاً جديداً للرواية العربية بخروجه عن النظام الأكاديمي للرواية العالمية والعربية، لذلك وظّف كلّ مهاراته فيها لكتابة ما هو مختلف عن المألوف على صعيد التقنيات والمضمون، مشيراً إلى أن الرواية تضمنت جزءاً كبيراً من سيرته الشخصية وهي مختلطة الموضوعات، لكنها تصبّ في بوتقة واحدة في المعنى أكثر من كونها تصب في حكاية واحدة، مؤكداً أن روايته تنتمي بقوة للأدب الفلسطيني.
بالكلمة يقاوم
حضر الندوة السفير الفلسطيني في دمشق السيد سمير الرفاعي الذي وجه من خلال تصريحه للبعث تحية لكل الكتّاب والشعراء الفلسطينيين الأوصياء على التراث والفكر والذين يحملون الرواية الفلسطينية من جيل إلى جيل، ورأى أن الإبداع خُلِق من رحم المعاناة عند الفلسطيني المبدع الذي قام بدوره على أكمل وجه.
كما بيّن رافع الساعدي أمين سر الأمانة العامة لاتحاد الكتّاب والصحفيين الفلسطينيين أن الروائي وليد عبد الرحيم أديب فدائي آمن منذ البداية أن الفلسطيني المبدع يقاوم بالكلمة وبالطلقة ويقاتل كي يرسم معالم دروب التحرير والعودة إلى كل فلسطين.