نرجس عمران: الشعر المغنى قادر على اختراق كل الفئات المجتمعية
“إنهم أبناء مطعمة
اغتالوا عمره ذات منفعة
لن يكون للوطن إلا ضحكة وأضحية
دثري ذكراه الممد على الجفن”
مقطع من قصيدة الرجوع التي كتبتها الشاعرة والكاتبة نرجس عمران وتصف فيها لوعة أم على ابنها الشهيد، ولم يقتصر إبداعها على إصدار مجموعات شعرية عدة، سُميت على نغم اسمها، منها، “تقاسيم على عود النرجس” إذ صدرت لها مجموعات قصصية في سورية، وكذلك في مصر، “في سفر الموت” و”أضواء خافتة”، كما صدرت لها رواية “الليلة التي لم تولد بعد” الصادرة عن دار الحافظ.
إضافة إلى ذلك دخلت عالم الموسيقا والغناء بكلمات أغنياتها العاطفية باللهجتين السورية والمصرية بلسان الأنثى العاشقة والحالمة حيناً والغاضبة في أحايين أخرى، فتحاورت معها بشغف:
*إلى أي مدى يحقق الشعر المغنى انتشاراً للشاعر ولقصائده برأيك؟
**مقولة “الموسيقا غذاء الروح” ليست مقولة عبثية إذ تبنتها الأجيال والأزمنة والحضارات، لأن الأرواح التي تسكن أجسادنا تحتاج إلى غذاء كي تحيا كما هو الطعام غذاء الجسد، فالأرواح تبحث عن باعث للحياة فيها حتى وإن شغلتها الأوضاع الحياتية عن ذاتها وسكينتها، فإنها باللاشعور تنتشي طرباً بالموسيقا وتحيا بالأغاني، وما الشعر المغنى إلا العنصر الأساسي لها، ليس فقط لرفاه الروح ومتعتها، بل هو حاجة لبقائها وإحيائها وفي الوقت ذاته يحقق انتشاراً واسعاً للشاعر أكثر من بقية الأجناس الأدبية، فهو قادر على اختراق كل الفئات المجتمعية المثقفة والناقدة وعامة الشعب، لسهولته ومرونته وسلاسة عذوبته، ولا يحتاج من السامع الخوض في غمار التحليل والتركيز لفهم الفكرة، عكس بعض الأجناس الأدبية الأخرى السردية أو النثرية التي تحتاج إلى قراءات عميقة لفهم الفكرة.
*غنت نانسي زعبلاوي أغنيتين من كلماتك وألحان المايسترو كمال سكيكر في دار الأوبرا، فهل كانتا بعد الغناء كما تتمنين؟
**حينما نتعامل مع أساتذة مبدعين فهذا يعني أن نطمئن بأن كلماتنا في سياقها الصحيح.
من حيث المعنى الأغنيتان مختلفتان “لا تقلي ولا قلك” هي أغنية لطيفة تبوح بحكاية حب وتقرب ورغبة بالحبيب والتمسك به، أما أغنية ندم التي تميزت بزخم موسيقي، فهي حزينة تبوح بحالة شجن وندم وفرقة وقهر ودموع. المبدع في اللحن والصوت هو من يلبس الكلمة ما يتناسب مع ظاهرها وباطنها، وهذا ما بدا جلياً في ألحان سكيكر وصوت زعبلاوي.
*حققت نجاحاً برفد الأغنية السورية والعربية كونك تكتبين باللهجة المصرية أيضاً، برأيك كيف ندعم الأغنية السورية؟
**فخورة جداً بنجاحي، فأنا سعيتُ في سياسة مخاطبة أكبر شريحة ممكنة والوصول إلى كل المسامع طامعة في أن تستسيغ كلماتي، وطالما أن الموهبة موجودة، فما المانع في أن أصدّر فكراً أو موهبة أو إلهاماً سورياً إلى مصر الشقيقة؟
وكي أوصله بطريقة أنجح يجب أن يكون بلهجتهم، وأعتقد أنها نعمة منّ الله بها على الشاعر حين حباه القدرة على مخاطبة كل الأذواق، وذلك من خلال تعدد لهجاته، فهناك مجتمعات تحب الشعر البدوي وأخرى تفضل المحكي وأخرى تفضل الفصحى وغيرها المصري أو اللبناني أو السوري، برأيي أن الأمر الهام أن أكتب في نطاق اللغة الأم اللغة العربية، وهي ما يجب الحفاظ عليه وليس الواجب هو فقط الحفاظ على اللغة الفصحى، بل أكثر علينا أن نحافظ على تراثنا اللامادي من خلال النصوص المحكية واللهجات والمفردات المتداولة في الحياة.
واجبي تجاه اللغة الأم لا ينقص أبداً من واجبي تجاه اللهجة السورية، طالما موجودة في أشعاري وأغنياتي وفي كتبي والمهرجانات واللقاءات، وأرى أن وجودي بالوسط المصري يفسح المجال لوصول أعمالي السورية بسرعة أكبر، وهذا بالنسبة إليّ دعم للأغنية السورية.
*ثمة علاقة بين الشعر والسرد من حيث اللغة، فماذا عن روايتك” الليلة التي لم تولد بعد؟
**الشاعر يجب أن يلم بالسرد سواء قصة أو رواية أو خاطرة، والروائي يجب أن تكون لديه تجربة شعرية لأن الأدب وحدة متكاملة، تتطابق فيها الأدوات وهي المفردات واللغة والصورة والموضوع والرسالة، ويأتي الاختلاف بالنمط الأدبي أو الطريقة الأدبية سردية أو روائية أو قصصية أو ومضة غنائية، نرى أغلبية الأدباء يلتزمون صنفاً أدبياً واحداً، فقلة هم الروائيون الذين يكتبون شعراً، ربما يفضلون التركيز في نمط واحد يحبونه وينجحون به، وربما من مبدأ أن التخصص يزيد القوة والإبداع، أو أنهم يرون أن التنوع تشتت، أما أنا فأرى أن الإلهام هو من يفرض عليّ أسلوب الكتابة نثرية أو قصصية أو شعرية أو غنائية، عدا رغبتي بالوصول إلى أكبر شريحة من خلال قارئ الشعر والرواية والقصة والمستمع إلى أغنية، لذلك كتبت روايتي كما فرضها علي الإلهام بطريقة سردية تحكي قصة حالة من حالات المجتمع والحياة، فجاء سردها بطريقة سهلة سلسة وبليغة، وأحياناً بطريقة نثرية، الأمر الهام أنه كان واضحاً للقارئ كي يجد متعة وتشويقاً أثناء القراءة تحثه على المضي لمتابعة القراءة.
*كثيرون يرسمون بالكلمات صوراً حزينة للحب تبدو فيها الأنثى مطعونة، فكيف صوّرت ألوان الحب بمفرداتك؟
**غرض من أغراض الشعر النطق بلسان المشاعر والإعراب عن الأحاسيس، فكما نكتب عن السلام والأماني والأحلام، نكتب عن الوجع والخيبة والخذلان.
فالإبداع أن نتناول جوانب الحياة والبيئة والظرف في كتاباتنا، لذلك في أشعاري وكتاباتي الحياة بكل أشكالها.
*ماذا تعني لك ترجمة إحدى مجموعاتك إلى الأمازيغية، وهل تطمحين لترجمتها إلى اللغات الكبرى الإنكليزية والفرنسية؟
**أشعر بالفخر بأن ديواني الذي نشر إلكترونياً (على أثير النرجس) ترجم إلى اللغة الأمازيغية كون الشابكة تجمع العالم كله، ولديّ العديد من النصوص المترجمة إلى لغات عدة، مثل المجموعة الشعرية “أبجد”، وبالتأكيد أطمح وأتمنى أن تترجم كل كتاباتي وكلمات أغنياتي إلى كل لغات العالم.