البارومتر الفني
1- يعيش الكاريكاتور الآن عصره الذهبي بسبب الانتشار الواسع والسريع، وعزّز رساموه سلطتهم رغم رياح التغيير العاصفة بالعالم من كشفهم للسلبيات وتأثيرهم الواضح في الناس، عبر بارومتر يقيسون فيه درجات الظلم والاضطهاد.
وتبدو اختراقات رسام الكاريكاتور للموانع الآنية ونقل الواقع إلى صورة واضحة المعالم على نحو مرئي، تظهِر قدرة الفنان على الخلق بأثواب جديدة ..يحيك فيها تفاصيل الشجاعة دون مواربة.
إذن، يحتاج الفنان لدعائم وركائز يبني فيها بيته المتين في مواجهة كل التحديات والحجارة التي قد يتعرض لها في الأزمات… والريشة لا تكفي لإنتاج كاريكاتور ناجح دون إلمام الفنان بالسياسة وروحها والوقائع الاجتماعية وتفصيلاتها التي تمده بالذخيرة اللازمة لإنتاج صنعته ..هذا هو الدور.، ما النظر للحالة بعين التقييم فهنا نترك حرية القراءة للمتلقي..لأن المسألة نسبية .
2- كثيرة هي مشاهد البؤس في العالم، البؤس أصبح فلكلوراً يتغنّى فيه الفقراء على إيقاع الانكسارات ، إيقاع على مقام (الصَبا) في قرار الآه وجواب التنهدات، ولعلَّ أكثر اللوحات التي تؤثر وتدخل المشاهد في تفاصيلها هي التي تحاكي واقع الحال عموماً والفقراء خصوصاً.
إذاً هناك الكثير من الرسوم التي تحمل دلالات حسيّة وصرخات لا تختلف عن صرخة “إدوارد مونش” الذي أطلق لوحته الشهيرة( الصرخة) عام 1893.. صرخة مضطرمة أمام قدرٍ لم يُعَش، وفي حضرة كابوس يرتوي من هاجرة موتٍ مستنسخ.
البعض يرى في إدامة الصرخة تجلٍ لحروبٍ تلوح في أفق القرن المتقدم نحو الحاضر. نعم هاهي الصرخات تعلو لنقد الحالات المفتقرة إلى المعاني والمضامين الإنسانية وما أكثرها.
3- السياسة هي ( الميم) الكل يدور حولها، طلق نيرانها فتحرق الجهات، ماعلينا نحن ( العامة) سوى الوقوف في وجه البشاعة وصولاً إلى تصويرها بحبر المواجع وأقلام أدمنت مقاومة الأيام التي حولها البعض إلى “غرنيكا” حقيقية.
للعمل الفني مقومات نجاح متعددة ، منها الفنان نفسه وثقافته، وعوامل أخرى كالسخرية التي تشكل ركيزة لبناء اللوحة الكاريكاتورية، فكثيرة هي القصص التي تندرج في الإطار الكوميدي، تلهم المتابع ليخطّ من معين قراءاته السياسية رؤى ساخرة بطريقة مرنة أقرب ما تكون إلى التحريض والتبشير.
4- هي الكلمة التي تجعل الوجه يرنو عالياً، نجلس في روشن التأمل، حتى تلفح السمرة ضفائر الحروف وتنتعش الأماني.. هذه هي العلاقة، نؤطر النص بصور محتشمة تارة ونخلع أثواب الخسارة تارة أخرى، ما بين هذا وذاك ثمة سرور خفي عالق على حافات التنهيدة، سيجيبنا عنها الشرود كخاطرة ولن نعرف الهدوء… بانتظار حالة أخرى تطرب أصابع يدي.. وتُخلي سبيل الحبر فينا… دواتي تنظر بوحاً آخر… نتكئ فيه على تفاصيل القادم و الذاكرة معاً.
رائد خليل