الكاريكاتور و إنارة العالم
وصف الناقد التشكيلي الفلسطيني الراحل عبد الله أبو راشد الكاريكاتور العربي المعاصر بأنه دائرة انعكاس للذات العربية المقهورة التي تقوم في أبجديتها الوظيفية على تفريغ المعاني في شحنات بصرية ترسيمية، وهو نقل سردي بالرسم والكلمة لتفاصيل الحالة في نصوص بصرية تبنى على أساس مسرحة المواقف. وأن الكاريكاتور يجند الرسامين لرصد نبض الشارع العربي وتسجيل اللحظات اليومية للشعوب والدول والصراعات المتعددة الأشكال والأدوات.
فهل استطاع فن الكاريكاتور العربي على حد تعبير الناقد أن يتقدم في آلياته على الفنون التشكيلية الأخرى، ويحفل بخصوصية في رسم صورة بانورامية تكاملية لوجود فن معاصر؟
إذن، ما بين تفاصيل الحالة المعيشية وتسجيل اللحظات اليومية، تبقى الحلقة المفقودة في مصداقية الطرح. فكثيراً ما نشاهد رسوم فنانين تخضع مشاهداتهم فيها لرؤى الآخرين، أو تنساق خلف سهم الخط البياني النفعي دون أرضية ثابتة.
طبعاً هناك الكثير من الدراسات التي تناولت الوظيفة الحقيقية للكاريكاتور، ولكنها لم تأتِ بجديد مادام الخلط واضحاً كما قلنا سابقاً ما بين المهمة والوظيفة.
وإذا ابتعدنا عن الوظيفة الخبرية لفن الكاريكاتور، وتحدثنا عن المساحة الجمالية له، نكون قد عدنا إلى ما بدأناه في طرح قضية الشكل الفني الحامل للفكرة، فلا نستطيع الحديث عن عنصر منهما دون الآخر.
فآلاف القصص التي جسَّدها فن الكاريكاتور واختزلها في صور حسية جمالية ، وهذه مهمة ليست سهلة. فكلنا يعرف قصة القردة ( لم أقل، لم أر، لم أسمع)، وحكايات تنويرية يختلف في روايتها الفنانون بأدواتهم المتنوعة بهدف نشر المعرفة بكل تجلياتها .وعلى سبيل الضحك الذي ولد من رحم السخرية، تقول الرواية التي تندرج في الإطارين المعرفي والتلميحي: إنَّ أحد الأشخاص قصد منزل الكاتب الشهير فولتير وطلب مقابلته، وكان فولتير وقتئذ متعباً جداً، فرفض أن يستقبله. وعندما ألحّ الزائر عليه بالدخول، أطلّ فولتير من النافذة وسأله: ماذا تريد؟ فقال الزائر: أنا زميلك، و إنّني من المعجبين بأدبك.
دُهِش فولتير و سأله: ومن تكون أنت؟
قال له الزائر: إنني مثلك، أعمل على إنارة العالم، ومهنتي هي صناعة المصابيح.
إذاً مهمة تنويرية وتحريضية وعائد معرفي، وثمة مفردات متواترة ومتكاملة تحوم في فضاء البنية الإنسانية المتعددة الأثواب والحافلة بمقامات الوصف التعبيري.
رائد خليل