“تاريخ جبلة وآثارها” كتاب لـ إبراهيم يونس خيربك
في كتابه “تاريخ جبلة وآثارها” الصادر عن الهيئة العامة للكتاب 2014، يقدم الباحث والكاتب إبراهيم يونس خير بك، أحد الأسباب الأهم لقيامه في تأليف هذا الكتاب، يقول: “نحن مسؤولون عن حفظ ما توارثناه وتخليده ليبقى معينا لأبنائنا، ومن هنا وجدت أنه من واجبي كرجل يعمل في الآثار، أن يدون ما وجده بكل أمانة ومحبة” اللافت فيما سبق هو تلك “المحبة” التي عُطفت على “الأمانة” فدون محبة لن يكون العمل متقنا، ولن تكون المسؤولية حاضرة بثقلها في كل مرفق من مرافق العمل، وهذا ما يدركه المؤلف في تعامله مع موضوع توثيقي لمدينة تاريخية عريقة، وللآثار الباقية فيها، وتدل عليها.
يُفتتح الكتاب بقصيدة “جبلةُ السلطان” للشاعر جابر خليل، ومنها نقتطف الأبيات التالية، نزولا عند “المحبة” التي جعلها المؤلف، واحدة من ركائز عمله، يقول الشاعر خليل:
أجبلةُ هل لي في رياضك مربع/ لأنهل شعرا من رباك وأُقلع
رويت خيال الشعر أعذب نشوة/فلولاك لا يسمو الخيال ويبدع
إذا الغصن مالت لليباس فروعه/وشف الهوى من راحتيك سيفرع
القسم الأول من الكتاب “لمحة عامة عن منطقة جبلة” يبدأ بشرح اسم المدينة، وكيفية وروده في اللغات المختلفة، للحضارات التي تعاقبت على المدينة، فهو اسم مشرقي أصيل، ورد في النصوص الأوغاريتية “جبعلا” أي: “الجب العالي” أو “البئر العميقة” وهذا المعنى كما يورد المؤلف، يوائم طبيعة المدينة، المعروفة بانخفاض الوسادة المائية تحتها، وعمق آبارها، ليصبح في العصور الهلينستية والرومانية ثم البيزنطية، “غابالا” لعدم وجود حرف العين، في اللغتين اللاتينية واليونانية، أما في السريانية فهي “جبلا”، لكن المؤلف يرجح أن أصل التسمية كنعاني، لأن لفظ “جبل” تعني في لهجة أوغاريت الجبل الصخري والحدود، وقد يكون الاسم مؤلفا من مقطعين “جب+إيل” وكون الجب في تعني البيت أو المقام، فيصبح معنى الاسم “بيت إيل” أو “مقام إيل”
ثم يورد المؤلف مجموعة من المعلومات الجغرافية والطبيعية عن جبلة، مناخها، طبيعة مياهها، تربتها، مع معلومات إدارية وسكانية وثقافية، فهي إداريا تتبع لمحافظة اللاذقية، وهي مركز منطقة، تتبع لها عدة نواح، أهمها: القطيلبية، الدالية، عين الشرقية، بيت ياشوط، عين شقاق، وأهم قراها: بستان الباشا، قرفيص، الحويز، الشراشير، حمام القراحلة، ديروتان، سيانو، البرجان، القبو.
وفي الحياة الاقتصادية لجبلة، يقول المؤلف” سهل جبلة غني عن التعريف، فهو من أفضل المناطق الزراعية في البلاد، دائم الخضرة على مدار العام، وفيه العديد من أهم المنتجات الزراعية مثل الحمضيات والتبغ” كما أنها تمتاز بمواصلات ممتازة، ففيها عدا عن شبكة الطرقات، التي تصلها بمختلف المناطق، ميناء صغير، يؤمن الملاحة البحرية، ومطار الشهيد “باسل الأسد” الدولي، للنقل والملاحة الجوية.
ولجبلة أيضا في الحديث الثقافي خصوصيتها، ففيها العديد من المهرجانات الفنية والثقافية، منها: مهرجان طريق الحرير/ مهرجان جبلة الثقافي/ مهرجان المحبة/ ومعارض للفن التشكيلي كانت تقام على مدرجات المسرح الروماني، الذي يتوسط المدينة، وفيها العديد من المراكز الثقافية، مثل مركز بيت ياشوط، مركز عين الشرقية، مركز القطيلبية.
في القسم الثاني “لمحة عامة عن تاريخ مدينة جبلة” يأتي المؤلف على ذكر، تاريخ المدينة التي يصفها بكونها “قديمة قدم الدهر” فهي مدينة فينيقية، ثم خضعت لفتح الآشوريين، وفي القرن الخامس قبل الميلاد أصبحت مستعمرة يونانية، بعد أن مرّ بها “الإسكندر المقدوني” في اليوم التالي لمعركة “إيسوس” عام 333 ق.م، وفي عهد السلوقيين صارت جزءا من الدولة السلوقية، ثم أصبحت رومانية وبعدها بيزنطية، حتى صارت في الفترة الإسلامية، مدينة مسلمة وبُنيت فيها المساجد والمآذن، وكان لجبلة أن وقفت موقفا شهيرا إلى جانب سيف الدولة الحمداني، في صراعه ضد الروم، بعد أن غدت جزءا من إمارة سيف الدولة، الباسطة نفوذها على شمالي سورية والساحل وحمص، حتى حدود دمشق.
القسم الأمتع في الكتاب، هو الذي يأتي فيه المؤلف على ذكر معاني وأسماء القرى في منطقة جبلة، ومنها: “بيت ياشوط”: تسمية سريانية وتعني مكان البلعوم/ “عين شقاق”: ويرى المطران حنّا أنها تعني في السريانية عين المغارة/ “قرفيص”: وتعني في السريانية الهامة أو الجمجمة/ “ديروتان” وهو اسم دير كان موجودا فيها ويسمة “دير الأوتان، الأوثان” وحور مع الزمن بعد خراب الدير، ليصبح ديروتان/ “البودي” وتعني البئر.
هذا وغيره من المعلومات التاريخية، الشيقة والممتعة والهامة، عن مدينة جبلة وريفها، ترد في كتاب “تاريخ جبلة وآثارها” الذي يقع في 208 صفحة، وهو مدعم بالصور والخرائط الشارحة، وفيه الكثير مما يتعلق بهذه المدينة التي أحبها المؤلف، ووجد أن محبته تدفعه لتدوين طبائعها عبر التاريخ.
تمّام بركات