ثقافة وفن

“الخشاش” يطيح بأحدث إنتاجات الدراما التلفزيونية السورية!

ما يبحث عنه المشاهد السوري اليوم، من أعمال درامية لمتابعتها، على محرك البحث غوغل، ليس مسلسلا محلياً حديثاً، ولا مسلسلا من مسلسلات الأعمال الدرامية، التي تسمى “مشتركة” كما أنه ليس عملاً مدبلجاً، أو مسلسلا من نوع “بيئة شامية”، فمنذ قرابة الأسبوع وكلمة “الخشخاش” هي أكثر ما يبحث عنه السوريون على غوغل، و”الخشخاش” هو مسلسل سوري من تأليف فؤاد شربجي وإخراج بسام الملا، مكون من 21 حلقة، مدة الواحدة 45 دقيقة، وكان قد عرض على شاشة التلفزيون السوري عام 1991، وتحديدا في ال،17 من أذار ذاك العام.

المسلسل الذي تعيد عرضه قناة “سورية دراما” اليوم، استطاع أن ينافس بل ويفوز، على أكبر وأحدث نتاجات الدراما العربية والعالمية، عند الجمهور المتعطش حقيقة، لدراما ذات قيمة، ممتعة، بسيطة، لا تتعالى عليه، ولا تدخله في متاهات الرمزية والترميز، التي صارت وكأنها من شروط صناعة المسلسل المحلي، رغم أن “الخشخاش” يوظفها أيضا في سياق الأحداث، لكنها ليست نافرة، “نقاقة”، مباشرة، مستهلكة، سطحية، كتلك التي تتحفنا بها حد الملل، بعض الأعمال الدرامية المحلية الحديثة.

ولكن ما احتمال أن يكون “الحنين” فقط، هو الدافع خلف هذه المتابعة الكبيرة للعمل؟ قد يكون “الحنين” عند جمهور من شريحة عمرية -40 وما فوق-أحد الأسباب، لكن ماذا يمكن أن يكون السبب الذي يدفع شابا في الـ 20 من عمره، ومن هم من جيله، للبحث عن هذا المسلسل لمشاهدته؟ وماذا عساه يكون عند زوجين في الـ 35 من العمر لذلك، هل هو الحنين؟ بالتأكيد لا، الأمر أبعد من ذلك، نسب البحث المرتفعة عن “الخشخاش” تقول بأن الجمهور المحلي، المحبط سلفا من الظروف الصعبة التي يقاسيها، قارن بين ما يُعرض اليوم من مسلسلات محلية بأنواعها، وما عُرض منذ 31 عاما، ووجد أن الفروق كبيرة، ولصالح العمل البعيد في الزمن، على حساب الجديد والأحدث! فروق تكشفت له ومن الحلقة الأولى التي تابعها، فقرر المتابعة، وعندما حالت الكهرباء دون ذلك على شاشة التلفزيون، ذهب إلى شاشة الهاتف، أغلق “البابجي” وأعطى إجازة ساعية للماسنجر، واتس آب، تيلغرام، بحث عن مسلسل “الخشخاش” وبدأ المشاهدة، ضاربا بعرض الحائط، كل ما تباهي به الدراما التلفزيونية اليوم: أحدث كاميرات التصوير، أحدث أجهزة الصوت والمونتاج، أخر ما توصلت إليه عمليات التجميل، والظاهر بشدة على الممثلين والممثلات، أحدث صرعات دور الأزياء العالمية، واكسسواراتها من المجوهرات وغيرها، أجمل المناطق السياحية، الجمهور لم يعر بالا للسيارات الحديثة والبيوت الفخمة، للأساس والمفروشات السوبر، حتى أن المقارنة التقنية لم تخطر على باله، رغم أن العمل ألوانه باهتة، إضاءته خافتة، تم تصويره في ديكور بسيط داخل استديو، فما السبب إذا؟

الفروق الكبرى والأهم بالنسبة للجمهور فعلا، وجدها بلا أي مجال للشك، في الحكاية أولا، وفي الأداء البارع والمتقن، الذي قدمه كبار نجوم الدراما التلفزيونية المحلية، والذين لم يزالوا لحد اليوم، نجوم الصف الأول محليا وعربيا، وهم توليفة متناغمة في الفعل ورد الفعل، ومنهم: الراحل الكبير هاني الروماني، الراحل الكبير يوسف حنا، الراحل الكبير رفيق سبيعي، النجم عباس النوري، النجم سلوم حداد، النجم أيمن زيدان، النجمة منى واصف، النجمة سلمى المصري، وآخرين، ولا نبالغ بالقول ربما، أن الأداء الذي قُدم في “الخشخاش” لم ولن يتكرر كثيرا، رغم أن الممثلين المذكورين، قدموا أدوارا مهمة وأداء رفيعا في غير عمل، لكنهم في “الخشاش” ابدعوا والسبب في ذلك، عدا عن قدراتهم التمثيلية، هو القصة الجيدة، والحوار المناسب والمنضبط بالنوع، وهذه هي المعادلة الواضحة والمعلنة والناجعة، لتقديم دراما جيدة، قصة جيدة وحوار مناسب ومنسجم معها، أداء منضبط بالحوار وطبيعة الشخصية، وبالتأكيد الإخراج القادر على جعل هذه المعادلة ممكنة التحقيق، وفق رؤية فنية، أحد أهم مكوناتها، روح المسؤولية تجاه الناس، وفي موضوع حساس وخطير عليهم وعلى المجتمع ككل، كالذي طرحه العمل.

ويمكن مما سبق الوصول لنتيجة مفادها، أن معظم ما يقُدم اليوم في الدراما المحلية، ليس مشغولا للجمهور المحلي، بل إن هذا الجمهور ليس في الحسبان أساسا هنا! لذلك يشعر السوريون بغربة عن دراماهم اليوم، يحاولون تعويضها بمشاهدة ما سبق منها، وصُنع لهم بكثير من الحب والمسؤولية والإتقان.

لن يفوتنا بالتأكيد أن ننوه إلى الأثر المهم لأغنية شارة العمل، في الجذب، وهي من كلمات الراحل الكبير حسين بن حمزة، ومن ألحان الموسيقار الراحل إبراهيم جودت، وبصوت الفنان عبد الرحمن عطية، ومنها: “منّا ومن أيدينا، عنّا وحوالينا، فرح الناس ال مالو حدود، وقهر الناس ال مالو حدود، وصوت الحق ال ما بيتخبى، الباطل فينا عم يتربى، ومنشد بايدينا، والدمعة بعينينا، يا حسرة علينا”.

تمّام بركات