“المسرح السياسي في سورية” كتاب لـ غسان غنيم
في الندوة الختامية لمهرجان دمشق المسرحي الرابع -1972-ناقش الحضور مصطلح “المسرح السياسي” ومفهومه في العمل المسرحي، تطرقوا لخصائصه وناقشوا الشكل والمضمون، تحدثوا في هوية النص المسرحي الخاص بهذا المسرح، ثم اختلفوا في تصدير رأيا مشتركا حول ما هو “المسرح السياسي”؟
ورغم أن المسرح السياسي في الوطن العربي عموما، وفي سورية بشكل خاص، كان حاضرا في العديد من الأعمال المسرحية، التي قدمت قبل عام 1967، إلا أن هذا التاريخ سيكون مفصليا في انخراط المسرح، بشكل واع ومؤثر، في السياسة، كما يقول الدكتور “غسان غنيم” في كتابه “المسرح السياسي في سورية” الصادر عن الهيئة العامة للكتاب-وزارة الثقافة، 2016، فهزيمة ال 67 فرضت نفسها بقوة على المسرح في الوطن العربي، وفي سورية بشكل خاص.
قلة الدراسات التي تناولت المسرح السياسي، من الناحية نظرية، كانت أحد دوافع تأليف الكتاب، رغبة من المؤلف في إيضاح معناه، كما جاء من الغرب، ومن ثم كيف تم فهمه عربيا، وذلك من خلال دراسة النصوص المسرحية، لبعض العروض التي قُدمت، وهذا لأن النص هو أهم عناصر العرض المسرحي، ثم تأتي بقية العناصر، بأهمية أقل.
يتألف الكتاب من عدة أبواب، تتضمن على عدة فصول، في الباب الأول الذي يحمل عنوان “المسرح السياسي مقدمات نظرية”، وفيه يناقش المؤلف القضايا النظرية المتعلقة بمصطلح “المسرح السياسي” ومنها: نشأة المسرح السياسي، وتجلياته المختلفة في العالم، حتى وصوله المنطقة العربية/ الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، التي أدت إلى ظهوره محليا وعربيا/ دراسة الاتجاهات الفكرية، التي شاعت في المسرح السوري، خلال الفترة المدروسة.
في الباب الثاني، تطرق المؤلف لـ “هموم المسرح السياسي السوري المعاصر، واضعا إياها في فصول ثلاثة، “هموم المواطن/هموم الوطن/هموم السلطة” وفي فصل “هموم السلطة” يبين الكاتب كيف أطنب المسرح السوري، في عرض “الهموم السلبية للسلطة” وأغفل أو تغافل عن ذكر الهموم الإيجابية –على كثرتها حسب غنيم- وبذلك فإن هذا المسرح، لم يتوخَ الدقة، ولم يكن موضوعيا، وهنا لا بد من القول أن المؤلف قد جاء على نقطة هامة، يتم إغفالها، فالعروض المسرحية المنضوية تحت مفهوم “المسرح السياسي”، والتي قدمت على خشبة المسرح السوري، ومنها ما تم عرضه متلفزا، عملت على إظهار الجانب النقدي للأداء السياسي والحكومي، بأنواعه، وعرضت للمثالب المنعكسة على الشعب، جراء هذا الأداء، دون سؤالها عن النتيجة، وما حدث أنها وضعت المسرح في خدمة تفريغ النقد من محتواه، سواء وعت ذلك أم لم تعيه!
الباب الثالث، يعرض لـ “تقنيات المسرح السياسي” وفي الفصل الأول منه، يتحدث المؤلف عن واحدة من التقنيات المستخدمة بكثرة، في عموم المسرح السوري المعاصر، وليس السياسي فقط، وهي تقنية “الإبعاد الزماني والمكاني” التي تعتمد الترميز والإسقاط، أما سبب استخدامها، فهو ما توفره من حرية للمسرحيين، في قولهم ما يريدون، دون مباشرة أو قصد موجه، وبذلك لا يصطدموا مع الرقابة وأجهزتها. أما الفصل الثاني فيعرض فيه الدكتور غنيم، لتقنية “التغريب” التي بالغ المسرح السياسي السوري، في استخدامها، وذلك لما تتضمن عليه هذه التقنية، من أسلوب لا يتيح للجدار الرابع “الجمهور” الغرق في وهم الفرجة، وذلك بالعمل خلال العرض على كسر هذا الجدار، وكان أن ظهرت شخصية “الراوي/الحكواتي” كأحد أشكال هذه التقنية، على خشباتنا عوض المقاهي، وأُنيط بها مهمة أيقاظ الجمهور من الوهم!
الفصل الثالث من الباب الثالث، يذهب للحديث عن “التجريب” الذي شاع في المسرح المحلي، وذلك سعيا لتأصيل نمط مسرح عربي، ذي هوية متميزة، لكن المؤلف وجد أن ثمة عملية “قسر” في التجريب، للوصول إلى التأصيل، الذي وحسب المؤلف في الكتاب، لن يتم الوصول إليه، مالم تتأصل شخصية الإنسان العربي، والتي يجد غنيم أنها، ما تزال ضائعة في البحث عن نفسها، بين التراث والغيبيات، والحضارة المعاصرة والفلسفة المختلفة، والتقنية الحديثة، ومالم يصبح المسرح، “ركنا أساسيا في حياة الإنسان العربي، وفي تكوينه الشخصي”
يقع الكتاب في 423 صفحة، وهو كتاب يتنطع لمناقشة مواضيع كثيفة ومتشعبة، في المسرح السياسي السوري، ويقدم آراء حول تجارب مسرحية انضوت تحت هذا المسمى، ويمكن لمن يرغب في قراءة عامة، عن تاريخ المسرح السوري المعاصر، أن يجد فيه معلومات قيمة، وأفكار عامة، تقوده نحو التخصيص بسلاسة.
تمّام بركات