دراما على طريقة أجبان أبو العز!
لم تكن كل الأعمال الدرامية-التلفزيونية منها بشكل خاص-من بطولة “نجم” هو المركز، وحوله يدور الباقي من الممثلين، ولم تكن تلك الأعمال أساسا مكتوبة لممثل بعينه، مفصلة على قياسه، بل كانت حكاية مكتوبة، ولكل شخصية فيها دورها الأساسي، والمؤثر والفعال في مجرياتها، بغض النظر عن حجم الدور، صغيرا كان أم كبيرا، وهنا تأتي مهمة المخرج، في إعطاء الدور، للممثل القادر على تحقيق الفرق في الأداء، سواء كان نجما أم لا، وهذه الحالة الفنية الراقية، كانت من أسباب صعود نجم الدراما المحلية، ووصولها إلى مختلف الجغرافيا العربية.
هذا كان قبل الفرز الحاد، الذي جرى للممثلين، وتم وضعهم على أساسه في صفوف، من قبيل “نجوم الصف الأول” الذين قد يعادل أجر أحدهم في عمل ما، أجور باقي الممثلين المشاركين معه، وهو فرز بلا أسس ومعايير حقيقية، لم تقم به لا الصحافة الفنية، ولا النقد الفني، ولا حتى كان الأداء، الخاص بكل ممثل، من محدداته، بل هو حالة مرضية، لعبت شركات الإنتاج، الدور الأهم في جعله واقعا، قائما على العلاقات الشخصية مع المنتج، بغض النظر إن كان يفهم في هذا الأمر، أم لا علاقة له به، لا من بعيد أو قريب، وكان من منعكساته، جعل الممثل، -أيا يكن-خاضعا لها ولشروطها، وفي حال رفض أو احتج، أو حتى قال رأيا مهنيا حول الموضوع، فإنه سيطرد من رحمة تلك الشركات، ولن يجدا عملا في الدراما التلفزيونية، ما يجعله عرضة للنسيان، بل وربما يعمل في مهن أخرى، بعيدة كل البعد عن تجربته ودراسته وخبرته، ونستحضر هنا الممثلة سوسن علي “أم بكري”، كمثال، كون قصتها لم تزل طازجة، بينما هناك العشرات بل المئات، من الفنانين، الذين طواهم النسيان والإهمال.
شركات الإنتاج، لم تضع الممثل فقط “تحت باطها” بل جميع المشتغلين في الدراما التلفزيونية، ومنهم الكاتب الذي صار “تحت الطلب”، يكتب فقط ما يُطلب منه، ولو كانت مسبته، من ضمن ما سيكتبه، حتى المخرج لم ينجُ من قبضتها، رغم أنه الربان في الدراما، وصار بلا أي أوراق قوة في تعامله مع شركات الإنتاج، فهي توظفه لديها، بل وصارت أيضا تصنعه في استديوهاتها، ولسوف يصيبكم الذهول، عند معرفة أن بعض المخرجين، كانوا عمال “بوفيه” وهذا لا يعيبهم ولا ينتقص من قيمتهم الإنسانية، بل كوارثهم الإخراجية هي من يفعل ذلك، ولا يستطيع أحدهم حتى أن يناقش المنتج، فيما يجده خاطئا، فلا حجته الفنية حاضرة، وحاجته للعمل تجعله أساسا لا يقول إلا “حاضر معلم” وهكذا ضاعت هذه الصناعة، بل وضاع تاريخها المشغول بالدموع كما يقال، واختلت قيمها كلها.
هذا الحال “المايل” وضع هذه الصناعة الإبداعية أولا، من ألفها إلى يائها، رهينة في قبضة شركات الإنتاج، التي تفعل ما تريد، وبعض هذه الشركات، ليس أكثر من “دكانة” تعتمد مبدأ “توزيع الطرابيش” ليست معنية برفع المستوى الفني، ولا بنهضة فنية مأمولة، وفي حال انتهت هذه الصناعة إلى غير رجعة، فهذا لن يضير هذه الشركات في شيء، لأنها تعمل في كل شيء، وببساطة تقوم بتغيير سجلها التجاري، من شركة إنتاج إلى شركة استيراد وتصدير مثلا.
في الحلقة الثامنة من حلقات مسلسل “وين الغلط”-1979-يصبح تاجر الجبن “أبو العز” منتجا سينمائيا، بعد أن دفعته رغبته بالراقصة “فيفي”، لينتج لها فيلما، فيقوم بتوظيف الكاتب والمخرج والممثلين، لا بصفتهم الفنية، بل كما لو أنهم عمال في مجبنته الخاصة، يملي عليهم رغباته وشروطه، دون أي اعتبار لرأيهم، ومن لا ينفذ منهم، يتم استبداله بأخر، وكانت النتيجة فيلما ممسوخا، لن يشاهده حتى من اشترك فيه لرداءته، وفي الوقت الذي كانت فيه أجبان “أبو العز” تصيب “كم واحد” بالتسمم، صارت أفلامه هي مصدر التسمم للملايين، وحال دراما “أبو العز” التي حذر منها صُناع “وين الغلط” في الحلقة الثامنة منه، هي التي استمرت حتى اليوم، ثم يأتيك من يسأل: “ليش هيك صار فينا”.
تمّام بركات