“الراهنية” سمة أساسية في تفكير الرئيس الأسد.. هكذا تحدث عام 2013 لـ “البعث” الرفيق الأمين العام للحزب
الرئيس الأسد: ثقافة النـقد يجب أن تكون إحدى أسـاســيات عـملنا الحـزبي وغير الحزبي.. والقضية ثقافة لا علاقة لها بالأنظمة وبالقوانـين
هــويـتـنـا قــومـيـة عـربـيـة مـعـتـدلـة.. ونـحن بـحــاجـــة لــعـمـل إعــلامـي ثــقــافــي ســــيـاســـي ديــنـي للـحـفـاظ عـلـيــهـا
قـوة الـحزب الـحـقيقيـة هـي في الـتفاعــل والـدعـــم الـشـعبي لـبرامـجــه وأدائــه الســـيــاســـي والاجتمـــاعــي والاقتصــادي
من يدافع عن الوطن هم جماهير البعث من الكادحين وأبناء العمال والفلاحين.. والصراع هو بين وطني وعميل وبين متطرف ومعتدل.. ولم يكن يوماً بين فقراء وأغنياء
دمشق ــ البعث
اليوم، وبعد عشر سنوات، تستعيد تحليلات ومقاربات الرئيس الأسد راهنيتها حيال الأزمة، وتتأكد معها حقيقة أن المقدمات الصحيحة في التعاطي مع الحرب على سورية ووعي أبعادها واستهدافاتها هي التي مكنتها، في النهاية، من الصمود طوال أكثر من اثنتي عشرة سنة، وهي مدة كافية بحد ذاتها لإشهار النصر، إذ لم يسبق لبلد، صغير أم كبير، تعرض لمثل هذا الكم والنوع والضغوط السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية إلا وكان مصيره التفتت والتلاشي بفعل الديناميكيات الذاتية الخاصة بأي صراع ممتد عبر الزمن.
– وانطلاقاً من الوعي بأن الحرب “لم تكن يوماً بين فقراء وأغنياء، أو كادحين وأثرياء”.. “وهي أيضاً ليست حرب قواعد شعبية على نظام سياسي، ولا على الدولة – وهي كلمات الرئيس الأسد قبل عقد من الزمن – كان من الطبيعي أن يفشل معسكر أرباب الحرب في خطة إعادة فرز المجتمع السوري على أسس مغايرة لانتمائه الوطني، أو تقسيمه وفق اعتبارات طبقية أو مناطقية أو طائفية. وما نراه اليوم من الترويج لـ “وعي بديل” لا يعكس إلا الرغبة اليائسة بالالتفاف على الحقائق الراسخة التي أرستها احرب تشارف على نهايتها، بما يعني أن تعمد البعض التعاطي مع تداعيات ومضاعفات الحرب باعتبارها حقائق منعزلة، مقطوعة الأسباب، لا يعدو كونه محاولة مكشوفة، ومتأخرة، لغسل يدي القتلة وإعفاء المجرمين من المسؤولية.
– على صعيد العلاقة بين الحزب والسلطة، يمكن القول إن مرحلة مفصلية قد تم تجاوزها قبيل الانطلاق في العملية التاريخية لإعادة صياغة دور الحزب في مرحلة بدء التعافي، وتحديات إعادة الإعمار؛ فقد تحقق الهدف من إلغاء المادة الثامنة بـ “إعادة التوازن في العلاقة بين الحزب والسلطة”، وإعطاء السلطة التنفيذية كامل صلاحياتها بعيداً عن أية “وصاية حزبية”، وبات يتعين على الحزب، ابتداء من الآن، الانكباب على تعميق دوره المجتمعي و”تطوير علاقاته مع الأقنية الحقيقية”، ممثلة “بالمنظمات والنقابات والمجتمع المدني بشكل عام، إضافة لعلاقة قيادات الحزب بقواعده، أو بالجماهير التي تلتف حوله، حتى لو لم تكن منتسبة له أو منحازة إليه.
– أما ما يتعلق بدور اللجنة المركزية في “محاسبة القيادة بشكل دوري” – والكلام كان للرفيق الأسد – فإن علينا أن نقبل، للأسف، بأن التاريخ – هنا – يراوح مكانه، فالحزب لم يتمكن من إطلاق ميكانيزماته الخاصة بالسرعة المطلوبة، كما كان مأمولاً، رغم أنه يقف، الآن، وبارتياح، في النقطة التي تؤهله لذلك.
– تتعزز حقيقة أن تشريح الرئيس الأسد لمجمل لأوضاع كان دقيقا وعميقاً، منذ مرحلة مبكرة، وإذ لم يخف سيادته القلق من حقيقة أن المشروع القومي العربي مستهدف دائماً، فإن مسوغات القلق على هذا المشروع، كما مسوغات الثقة بالجماهير العربية، لا تزال راهنة في تفكيره، ويبقى الأمل أن الهوية العربية بدأت تعود لموقعها الصحيح، رغم كل محاولات تدميرها بالإعلام والسياسة والثقافة، فهويتنا “لا متطرفة، لا دينياً ولا عربياً”.
– لطالما سدّت جرأة الرئيس الأسد فراغ الحسابات السهلة والمتعجلة.. فقد اختار دائماً الوقوف إلى جانب الحقائق التي تصمد وتشمخ لأنها تتأسس على ذهنية ملتزمة وصافية في انتمائها للوطن والعروبة وللروح البعثية الحقيقية. وانطلاقا من حقيقة أن الرفيق الأسد حدد لـ “البعث” أن تكون “قناة للتواصل بين القيادة والقواعد وبين البعثيين أنفسهم لفتح حوار بنّاء يكون منطلقاً ثابتاً للتطوير”، رأينا أن نعيد نشر هذا اللقاء مع سيادته، لما في ذلك من خدمة للقراء ولـجماهير “البعث” ولـ “البعث” نفسه.. وذلك كنوع من التفاتة ضرورية نحو الماضي، القريب و”البعيد”، ومن إطلالة استعادية للمزيد من التمعن في مرآة الداخل، في أفق استكمال قراءة المستقبل؛ والأهم التأكيد على ما ينطوي عليه فكر الرئيس الأسد من راهنية أمدته، على الدوام، بكل الطاقة السياسية والأخلاقية والإيديولوجية والوطنية التي مكنت سورية من الصمود خلال السنوات الماضية، ومن الخروج منتصرة في مواجهة الاختبارت التاريخية الصعبة والقاسية.
وفي هذا السبيل ستمضي “دار البعث” بتخير مزيد من أحاديث السيد الرئيس وأفكاره، في موضوعات متنوعة كانت، وستبقى، عاملاً مهماً في تلبية ما يتطلبه ترسيخ الوعي والهوية، على المستويات السياسية والاقتصادية والادارية والمجتمعية، لتعود سورية إلى ما يليق بها من دور ومكانة.
فيما يلي نعيد نشر نص المقابلة التي أجرتها “البعث” مع السيد الرئيس بشار الأسد، بتاريخ 11 تموز 2013:
الرفيق الأمين القطري للحزب.. إن الحزب تاريخياً هو حزب الفقراء والكادحين، وحزب الجماهير الشعبية، لكن في ظل الأزمة، لاحظنا أن من تحرك ضد الحزب والدولة منهم الفقراء والكادحون!! ما رأيكم في ذلك؟
خلال الأزمة كان هناك خلط بين مفهومين: الأول هو أن الحزب ابتعد عن جماهيره.. والثاني هو أن جماهير الحزب انقلبت ضده.
فيما يتعلق بالمفهوم الأول، فإن أي ابتعاد عن الجماهير هو تقصير، وتغيير القيادات يهدف دائماً إلى تطوير الحزب، وبنفس الوقت يساعد على تلافي أي خلل، بما فيه الابتعاد عن الجماهير، أما المفهوم الثاني، وهو أن الكادحين من عمال وفلاحين وحرفيين – الذين يعتبرون القاعدة الأعرض لحزب البعث – هم الذين انقلبوا على الحزب، وقاموا أحياناً بأعمال إرهابية، فقد طرحه البعض، على الرغم من أنه منافٍ للواقع لسببين:
الأول: إن الحرب لم تكن يوماً بين فقراء وأغنياء، أو كادحين وأثرياء، وهي أيضاً ليست حرب قواعد شعبية على حزب حاكم، ولا على الدولة.
الثاني: هو أن من يدافع عن الوطن الآن هم هذه الشريحة من الكادحين وأبناء العمال وأبناء الفلاحين.. جزء منهم في الجيش، والجزء الآخر يدافع عن مناطقه، خاصة في الأماكن التي تتطلب الوقوف إلى جانب قواتنا المسلحة.
كل ذلك يعني أن الصراع الموجود الآن هو بين جاهل وواعٍ، بين وطني وعميل، بين متطرف ومعتدل.. أما الشكل الذي يطرح على أن جماهير الحزب قامت ضد حزبها، فهذا كلام غير دقيق على الإطلاق.
التوازن في علاقة الحزب بالسلطة
قلتم في كلمتكم في الاجتماع الموسع للجنة المركزية إن الحزب تحوّل من حزب نضالي إلى حزب مصاب بجزء من بيروقراطية الدولة.. ما المطلوب الآن منه كي يعود إلى حزب نشأ بين الجماهير وفي خدمتها؟
لنبدأ بالمشكلة أولاً: وهي أن ما حصل في السابق هو غياب التوازن بين علاقة الحزب والسلطة، فالحزب يرسم السياسات العامة، وأما السلطة فهي معنية بالتفاصيل اليومية.
إن الخطأ الذي حصل في مراحل سابقة هو أن كثيراً من الحزبيين أرادوا أن تكون علاقتهم مع الجماهير عبر السلطة التنفيذية. والحقيقة هي أن الأقنية الحقيقية لأي حزب هي المنظمات والنقابات والمجتمع المدني بشكل عام، بالإضافة لعلاقة قيادات الحزب بقواعده، أو بالجماهير التي تلتف حول هذا الحزب حتى لو لم تكن منتسبة له أو منتظمة فيه. إن إيجاد توازن بين علاقة الحزب والسلطة، والتركيز على دور المنظمات، هو الأساس، وإحدى السلبيات التي رأيناها واضحة الآن في هذه الأزمة هو ضعف تفعيل المنظمات، وهذا بالضبط المطلوب لتلافي الأخطاء السابقة، والابتعاد عن تفاصيل السلطة، بما فيها طبعاً الفساد.. فمكافحة الفساد، سواء كان في الدولة التي يحكمها هذا الحزب أو داخل الحزب نفسه، هي أحد أهم أركان عودة الحزب إلى قواعده الحزبية وإلى جماهيره الواسعة، حتى خارج الحزب.
ثقافة النقد
أيضاً.. مما جاء في كلمتكم بالأمس، لوحظت نبرة نقد واضحة ومراجعة نقدية تفصيلية في بعض الجوانب.. لماذا كانت نبرة النقد عالية بالاجتماع الموسع نوعاً ما؟
لا يمكن لك أن تطور في أداء أي مؤسسة أو حزب أو حتى حكومة دون أن تصحح الأخطاء، ولا يمكن أن ترى الأخطاء إن لم يكن هناك نقد.
النقد للمؤسسة أو للحكومة أو للدولة هو دعم لها جميعاً وخطوة لتطوير أدائها. المشكلة أننا ربما كعرب وشرقيين لا نحب النقد، وننظر إليه على أنه نوع من الإهانة الشخصية، وهذا شيء خطير نراه في كل المستويات، وعندما تصل هذه المشكلة إلى مستوى المسؤولين أو الأحزاب فلا شك بأنها ستكون إحدى العقبات الأساسية في تطوير عمل أي مؤسسة، لذلك فإن ثقافة النقد يجب أن تكون إحدى أساسيات عملنا الحزبي وغير الحزبي، والقضية ثقافة، كما قلت، لا علاقة لها لا بالأنظمة ولا بالقوانين.. فلننظر فقط أن النقد هو للتطوير والدعم وتحسين الأداء، عندها لن نستغرب، أو يستغرب أحد كلامي بالاجتماع الموسع.
لكل زمن ظروفه وشعاراته
ضمن هذا الواقع المفتت للعمل العربي المشترك والجامعة العربية، وفي ظل الانقسام العربي وتحكم اقتصادات السوق الغربية بالأسواق العربية، وخاصة السورية ضمن العقوبات المفروضة علينا، أين أصبح شعار الحزب وأهدافه التقليدية من.. “أمة عربية واحدة .. ذات رسالة خالدة .. وحدة حرية اشتراكية”؟
لكل زمن ظروفه وشعاراته وطريقة تطبيقها، ولا بد أن ننظر لهذه الأهداف والمبادئ الآن بشكل مختلف عما كان ينظر إليها منذ عقود. في الخمسينيات كانت الوحدة العربية تعني أن يكون الوطن العربي كله دولة واحدة بحكومة واحدة.. عبر التجربة، ومع تكريس القطرية في الدول العربية، يبدو أن هذه الرؤية للوحدة العربية غير قابلة للتحقق في المدى المنظور.
في فترة من الفترات، كنا نركز دائماً على أن يكون هناك ربط بالبنية التحتية والتجارة البينية بين الدول العربية.. هذا لم ينجح أيضاً لأن الاقتصاد العربي مرتبط بمزاج الحكام العرب، فما أن يحصل أي خلاف سياسي حتى يتم تدمير كل أنواع العلاقات الثقافية والاقتصادية وغيرها.
رغم كل ما سبق، أنا أرى الآن أنه يمكننا تغيير زاوية الرؤية لمفهوم الوحدة العربية، ومحاولة تحقيقه عبر ربط المصالح بين الأعراق المختلفة والشرائع والمذاهب المختلفة، لأن ذلك سيؤدي إلى ربط المجموعات البشرية مع بعضها مع الوقت في إطار قومية واحدة.. فربط المصالح يأتي بالانتماء.. وما أراه الآن أن ما بقي لدينا هو الانتماء لهذه الهوية العربية، وهذا ما بات يتجلى شيئاً فشيئاً في هذه الفترة. ولنأخذ مثالاً في مصر، وكيف رفع شباب اليوم صور عبد الناصر الذي رحل منذ أربعة عقود، ذلك لأنه رمز قومي للعرب كلهم.. هذا يعني أن الهوية، ورغم كل محاولات تدميرها بالإعلام والسياسة والثقافة، فهي مازالت موجودة لدى المواطن العربي، وعليه فإن الأمل أن نتحدث عن الأمة العربية الواحدة على الأقل بالانتماء الشعبي لهذه الأمة.. إذاً في ظل هذه الصورة السوداوية التي تظهر تراجع هذا الانتماء العربي منذ عقود، مازلت أرى بعض النقاط المضيئة بالشعوب العربية، وليس بالحكومات.
المشروع القومي العربي مستهدف
هل يوجد قلق لديكم على المشروع القومي العربي كونه الوحيد المناهض للمشروع الصهيو – أطلسي الرجعي؟
طبعاً القلق موجود، لكن الأمل أيضاً موجود.
القلق لأن هذا المشروع مستهدف دائماً، سواء خفَّت المؤامرات عليه أم ازدادت شراسة، لكن الأمل هو أن الهوية العربية بدأت تعود لموقعها الصحيح، ربما لأن الهجمة هذه المرة كانت قوية جداً، فأعطت دفعاً للناس من أجل التمسك بها بشكلٍ أكبر.. المهم أنها بدأت تعود، خاصة بعد سقوط الإخوان المسلمين، واكتشاف حقيقة هذه التيارات السياسية التي تستخدم الدين لمصالحها الضيقة.
ردة الفعل الشعبية التي نراها الآن هي عفوية بكاملها.. هذا تطور مهم، لكن أين المفكرون القوميون ومعهم الأحزاب القومية، أليس دورهم الآن لإعطاء زخم ودفع لهؤلاء الشباب الذين انتفضوا في الساحات متمسكين بهويتهم العربية وبإسلامهم المعتدل؟ إن لم نتحرك الآن لدعم هؤلاء الشباب ستعود الهجمة أقوى، وسينتشر الخطر الأكبر على القومية العربية وهو التطرف. فهويتنا لا متطرفة، لا دينياً ولا عربياً، كما ذكرت سابقاً.. هويتنا قومية عربية معتدلة، وللحفاظ عليها نحن بحاجة لعمل إعلامي ثقافي سياسي ديني.
المادة الثامنة
في فترة قيادتكم لحزب البعث تم إلغاء المادة 8 من الدستور، وهذه المادة كانت تعبّر لدى بعض كوادر الحزب عن إنجازات نضال الجماهير والقيادات السابقة.. وإلغاؤها قد يضعف أداء الحزب.. ما رأيكم؟
هناك مفهوم خاطئ بأن المادة الثامنة هي التي أبقت الحزب في السلطة.. وهذا كلام غير صحيح، لسبب بسيط، ذلك أن الدستور السابق، المتضمن للمادة 8، لم يكن يمنع أياً من القوى السياسية أن تترشح لمجلس الشعب وتتمتع بالأغلبية بما يُمكنها من تعديل الدستور.. بالتالي إن أي أحد يطرح هذا الكلام، حتى وإن كان من بعض البعثيين، فهو طرح خاطئ.. هذا أولاً.
ثانياً: إن البعث أتى إلى الحكم قبل إقرار المادة 8 بحوالي عشر سنوات. فالحزب وصل إلى الحكم عام 1963 والمادة 8 أُقرت عام 1972، بالتالي القوة الحقيقية للحزب ليست بوجود المادة 8 من عدمها، فهذا لا وزن له لا سلباً ولا إيجاباً، بل بالتفاعل والدعم الشعبي لبرامجنا وأدائنا السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
ثقافة تحمل المسؤولية
تم اختيار قيادة قطرية جديدة، وجماهير الحزب، بصراحة، تنظر إلى العبء الذي سيقع على هذه القيادات بسبب الأخطاء السابقة.. كيف لها أن تتجاوز أخطاء ورثتها وراثةً، وأن تعالجها؟ وماذا لو لم تستطع؟
هذا الموضوع مطروح دائماً حتى في مؤسسات الدولة. عندما يأتي مسؤول، ويقول عن نفسه بأنه لا يتحمل مسؤولية هذه الأخطاء لأنه لم يكن موجوداً عندما حصلت هذه الأخطاء.. هذا صحيح لحظة وصول الشخص إلى موقع مسؤولية معينة، حزبياً وتنفيذياً، ولكن كلما مر الوقت، كلما انتقلت هذه المسؤولية له، وعندما لا يقوم بمعالجتها، مع الوقت سيصبح المسؤول الحالي، القائم على عمله الآن، هو الذي يتحمل المسؤولية، وليس المسؤول السابق. فلا بد من البدء مباشرة، ولا بد أن يكون لدينا ثقافة أن نتحمل المسؤولية. الشيء الصحيح أن يقول هذا المسؤول، بعد أيام من استلامه المنصب أو المهمة، بأنني أنا الآن أتحمل المسؤولية، وسأقوم بمعالجة هذا الأمر.. ويقدم خطة.
دور اللجنة المركزية
أما فيما يتعلق بالشطر الثاني من سؤالك، عندما لا يعالج أي مسؤول- وأنا أتحدث بالمبدأ الآن – الأخطاء المتراكمة يحاسب هذا المسؤول، وهنا تحاسب القيادة حسب توزيع المسؤوليات بين أعضائها، وهذا هو الدور الحقيقي للجنة المركزية التي من المفترض أن تنعقد لتحاسب القيادة بشكل دوري.. وهذا ما لم يحصل خلال السنوات الماضية.
في اجتماعات اللجنة المركزية لم يحصل ولا حتى إشارة للأخطاء التي ترتكب بالحد الأدنى، ولم يكن هناك لا طرح للمحاسبة ولا حتى مقترحات جدية لتلافي الأخطاء.. إذا كان هناك تقصير على مستوى المؤسسة ككل نتحمل مسؤوليته جميعاً.
عندما تقصر القيادة يجب أن تحمّل مسؤولية تقصيرها، وذلك عبر اللجنة المركزية التي من مهامها الأساسية مراقبة عمل القيادة وتقييمها ومحاسبتها حسب الأنظمة الداخلية للحزب، أو من خلال اقتراح اللجنة المركزية بإقالة عضو أو أكثر من الأعضاء، أو إقالة القيادة كلها، كما حصل منذ أيام، فقامت اللجنة المركزية في الاجتماع الموسع باستبدال القيادة بشكل كامل.
هذا هو الطريق الوحيد خاصة وأن هناك نقاشات الآن داخل الحزب حول بنية اللجنة المركزية وطريقة انتخابها.
الإسلام السياسي
تحدثتم مع صحيفة الثورة حديثاً أثار أصداء واسعة، ولاسيما الجانب الذي تناول سقوط مشروع الإسلام السياسي، ونحن في حزب البعث العربي الاشتراكي، مثل غيرنا من الأحزاب في سورية، علمانيون بعيدون عن العصبيات الدينية. إذاً، كيف لنا أن نفهم أن أهم حلفائنا في المنطقة إيران وحزب الله.. أليسوا أحزاباً دينية وإسلاماً سياسياً؟
لكي نكون واضحين تماماً في هذه النقطة، وكي لا نسمح لأحد بالاصطياد في الماء العكر.. ما قصدته بالحديث عن الاسلام السياسي، كمصطلح سائد الآن عن الإخوان المسلمين أو أشباههم، هو تلك الأحزاب التي تستغل الدين لصالح أهدافها الضيقة والفئوية التي تراها هي.
إن المجموعة التي قصدناها، أي الإخوان المسلمين ومن على شاكلتهم، هي تلك التي تستغل الدين وتستخدمه كقناع وتحتكره لنفسها وتكفّر الآخرين، وهي التي تعتبر أنك عندما لا تقف معها سياسياً فأنت لا تقف مع الله شرعياً.. وهذا لا ينطبق لا على إيران ولا على حزب الله، فهم لا يعاملون الناس انطلاقاً من البعد الديني والطائفي، وإنما انطلاقاً من الأبعاد الوطنية والسياسية، ولا يميزون بين الدول أو الجهات التي يتعاملون معها إلا وفقاً للمبادئ والمصالح السياسية والقضايا الاستراتيجية.
إذاً يجب التفريق بين من يستخدم الدين لمصالحه الفئوية الضيقة وبين من يستند إلى الدين في الدفاع عن القضايا الحقة والمشروعة.
وسأقتبس هنا تسمية سمعتها من أحد الأشخاص، وأعتقد أنها تنطبق على جماعة الإخوان المسلمين ومن يشبههم، وهي ما يسمى بالإسلام الخوارجي، لأن الخوارج هم أول من استخدم العنف في الدين، وأول من فسَّر الدين كما يشاء من أجل أهداف سياسية ضيقة أو فئوية، والأهم أن الخوارج كانوا يتشددون مع المسلمين ويتساهلون مع الآخرين. وهذا ما يفعله الإخوان المسلمون الآن، فهم يتشددون على أبناء دينهم وبلدهم وقوميتهم ويتساهلون مع الإسرائيليين ومع الغرب بشكل عام ولا يطلبون منهم سوى الرضا.
دور صحيفة البعث
في الأمس.. تحدثتم عن وجوب عودة “البعث” إلى القواعد الشعبية، إلى فتح حوارات مع الناس، إلى الاقتراب من الكوادر الشعبية.. هذا يحمّل الإعلام دوراً ليس بالسهل.. لنكون واضحين، ولتكون البوصلة صحيحة. ما دور الإعلام الحزبي في المرحلة القادمة التي يجب أن يقترب فيها “البعث” من الجماهير؟
إن الحرب التي شنت على سورية بدأت إعلامية في المرحلة الأولى كي تهيئ الأرضية للمعارك اللاحقة ضد الوطن، والدفاع عن سورية كان، في جانب كبير منه، دفاعاً إعلامياً.. وهذا يؤكد أن دور الإعلام هو دور أساسي في أية معركة على مستوى الدولة والوطن وطبعاً الحزب، وأنتم صحيفة حزبية لكم دور أساسي في الدفاع عن “البعث”.. أنتم تحملون عقيدته، وهذا الحزب كان هو المستهدف.
في البداية، حُمّل مسؤولية كل ما يحصل، حاولوا محو كل تاريخه كي يقولوا إن هذا الحزب كان مدمراً للبلد، بالرغم من كل ما حققه من إنجازات، بدءاً من جيش وطني وموقع سياسي وخطاب تقدمي ومواجهة القوى الظلامية عبر أكثر من خمسين عاماً، وبنية تحتية، وليس انتهاءً بتكريس المعاني الوطنية في سورية.. الحزب قام بكل هذه الأشياء، والهجوم على كل هذه الحقائق هو هجوم إعلامي.. هذا من جانب، ومن جانب آخر أنتم عين البعثي الرقابية على أداء الحزب سواء قيادته أو لجنته المركزية.. وبالتالي أنتم صوت البعثي أيضاً لنقل مشاكله أو معاناته أو أي تجاوزات تحصل معه، وأنتم صوته أيضاً عبر التواصل مابين القيادة والقواعد.. هذا التواصل الذي لا بد أن يكون مباشراً طبعاً، لكن في عصر التقنيات المتطورة الآن يجب أن تساهموا أنتم أيضاً كإعلام لتكونوا قناة للتواصل بين القيادة والقواعد وبين البعثيين أنفسهم لفتح حوار بنّاء يكون منطلقاً ثابتاً للتطوير. إذاً دوركم أساسي كصحيفة وكموقع لتكونوا قناة بين الجميع.
الرفيق الأمين القطري للحزب شكراً لكم.