هكذا أيضا، نُلحق الدنيا ببستان هشام
نسبة ٩٠٪ من الأشخاص الذين التقيناهم بعد الزلزال، ويعملون بجهد وضمير، كمتطوعين على الأرض، وعلى مدار الساعة، من أبناء البلد يعانون من قسوة الحياة، ويكتوون بنار الظروف الصعبة، إلا أنها ليست كافية بالنسبة لهم، ليتخلوا عن أخوتهم الذين هم في محنة وجود، فما كان منهم إلا أن وضعوا تلك الظروف جانبا، ومضوا يلبون نداء قلوبهم، للعمل على التخفيف من شدة الكارثة، التي ضربت الجميع في الصميم.
البستهم الرقيقة، لا تقي من هذا الصقيع الكافر، ربما حظيوا بوجبة طعام، وربما لا، وفي الأماكن الخطرة، هم أول الحاضرين، نفوسهم أنبل من التذمر، ولا ينتظرون أي شيء، حتى أن بعضهم من الذين نُكبوا بسبب الزلزال، هناك من تدمر بيته، ومنهم من فقد عزيزا، ومنهم أيضا، من يمضي كل يوم، بعد مشاركته في عمليات الإنقاذ، إلى حيث علقت أسرته في الأنقاض، منذ أكثر من ٧٠ ساعة، ليعمل كحارس للأمل، بدوام إضافي مرهق؛ يقوم بجولة تفقدية للأنقاض، يستمد عزيمة من حيث لا آحد يمكنه أن يتوقع، ثم يبدأ بالنداء عليهم، يتلوا أسمائهم وكأنهم في الغرفة المجاورة، منصتا بحواس إضافية، منها إيمانه بأنهم سيخرجون في اي لحظة، لأدنى نأمة تصدر من بين الركام العزيز عليه، فاحبته تحته، وهناك يبيت ليلته، مُسندا ظهره على جذع أمنية، تارة ينادي، وتارة يبكي بصمت وخشوع.
بالتأكيد هناك حضور وعمل وجهد صادق يُبذل، من مختلف الشرائح الاجتماعية، ففي المحافظات التي نجت من الزلزال، مجموعات كثيرة من السوريين، ومن مختلف الأعمار، فيهم الغني والميسور، متوسط الحال وفقيرها، وكلهم يتبرعون حسب طاقتهم، ويساعدون في إيجاد العديد من الحلول للمشاكل المعطلة للعمل الإغاثي، تأمين وقود للسيارات والآليات، مد جسر بري بمركباتهم الشخصية، لنقل المصابين والمساعدات من مختلف محافظات البلاد، إلى حيث يجب أن تصل تماما.
الكل يعمل بروح صادقة وعزيزة، وثمة إيثار سام ورفيع وكريم، يتدفق كنبع، بين الناس، وثمّة إيمان راسخ لدى الجميع، بأن هذا المشهد الذي لن تراه إلا في سورية، كان وما يزال هو العقد الاجتماعي الحقيقي لهم وبينهم.
أما عمال الإغاثة، من مختلف القطاعات والمؤسسات، النبلاء والسادة حقا، الدولة التي لديها مثلكم، ستنهض وتزدهر، لا شك بذلك، وهذا شرط تاريخي في نهوض الحضارات، وليس كلاما عاطفيا، رغم أنه لا ينفي ولا يخجل القول، أن جوهره كذلك.
شمل الله برحمته الواسعة، أرواح من قضوا، وألهم ذويهم الصبر والسلوان، والشفاء العاجل للمصابين.
تمّام بركات