الزلزالاللاذقيةمجتمع

“سودة” فؤاد

“توجه بعد أن تصل لكراج البولمان، إلى سودة فؤاد”
هكذا كان يقوم الأصدقاء في جبلة، بتوجيه الأصدقاء القادمين، لزيارتهم في العطلة الصيفية، من مختلف المحافظات الأخرى.
لقد كان ذاك العنوان، عند الكثير من زوار جبلة، أشهر للمواعدة واللقاء، من المدرج الروماني الذي يقع في الجهة المقابلة له! الأمر الذي جعل من المطعم الصغير، القائم في قبو عائد لأحد الأبنية القديمة، في مركز المدينة-الكراج القديم-التي تضررت جدا بفعل الزلزال، مكانا له دوره الاقتصادي والاجتماعي الهام، فعنده يستطيع “المستعجل” أن يترك غرضا ما، كأمانة لأشخاص أخرين، يجيئون لأخذها في وقت لاحق “بدون زيت، سلة تين، تبغ عربي، مبالغ مالية، وغيرها.
عند فؤاد، ستنتظر بعضا من الوقت، ريثما يأتي من يصحبك، ما من هواتف جوالة حينها، والكلام هنا عن بداية الألفية الثانية، وقبلها بعدة أعوام.
أثناء الانتظار، ستتضور من الجوع حرفيا، ولو كنت قد تناولت الطعام منذ قليل، وكيف لن تجوع، وهذا ما تطل عليه خلال مدة الانتظار: الأرغفة الطرية المنتظرة يده الرشيقة، تمر عليها بزيت الزيتون الساخن، البطاطا المقلية فوق شرحات كبدة الدجاج، وفوقها قطع البندورة الندية، روائح القلي العميقة وأصوات فرقعات الزيت، الخارجة من نافذة العلية، حيث يتم الطهو، ومن ثم منظر الزبائن نساء ورجال، ومن مختلف الأعمار، وهم يأكلون بشهية عامرة، بينما يتبادلون أخر الأخبار، “الكازوز” المصفوف وقوفا خلف الواجهة الزجاجية للثلاجة.
وإن لم يكن هذا كافيا، فالمشهد الساحر للبحر، الذي يتماوج خلف نهاية الطريق المؤدي إليه، دون أن يعيق بصرك أي عائق عنه، ماعدا ربما الخصر الأنيق لحسناء تعبر في المكان، سيتكفل بجعلك تكاد تطير من فرط الإحساس بالخفة والجوع.
تتناول “صندويشتك”، وها هو الصديق قد وصل، فتتناولان “الصندويش” سوية هذه المرة، وأنتما تتبادلان أخر الأخبار والذكريات، متبلة بالفلفل الأحمر والملح، بانتظار وسيلة نقل تصل بأي لحظة.
لن يفوتك عند عودتك، أن تخبر عن الطعم المدهش لصندويش فؤاد، المنكه بزرقة بحر وعطر خصر مرح، والكثير من الألفة، وسيكون المكان هو لا غيره، نقطة العلام التي ستدل أحدهم عليها، في حال سألك أين يلاقيك هناك.
المكان لم يعد قائما اليوم، وهذا يعني أن ثمة دور إنساني/ اجتماعي/ اقتصادي، هام خسرته تلك المدينة العظيمة، دور قام به شخص، ببساطة ودون تكلف، وبصدق، جعله محط ثقة رواده وزوارهم، دور صعب وشاق فعلا، قام به وهو يلف “الصندويش”، للناس الذين أحبوا طعامه البسيط، فجعلوا المكان دون أي قصد بذلك، من أشهر معالم المدينة المنكوبة.
ماذا سيفعل المسافر إلى هناك للمرة الأولى؟ كيف سيجد مكانا يرتاح فيه، يأكل، يسمع أحاديث وأخبار، يتفاعل بتأثير من روح المكان، مع الناس الأخرين، دون أن يشعر ولو للحظة بأنه ليس من المكان، لأنه فعليا صار في قلبه؟
تمّام بركات