هل وهج (العروبيّة) سببه الزلزال؟!
د. عبد اللطيف عمران
كنّا في سورية، ولانزال، وسنبقى على إيمان ويقين بأن الروح العروبية الوهّاجة والمشرقة والفاعلة هي حيّة في النفوس – بل يجب أن تكون وتبقى – على المستويات الشعبية والرسمية والشخصية، فما شهدناه خلال الأيام الماضية من تضامن وتفاعل عروبي – لا عربي بالمطلق – يوطّد في الأذهان، وفي الوجدان، أنه جزء من هذه الروح التي هي طاقة محترمة وواعدة تستحق الرهان الرابح عليها في الواقع والمستقبل، روح كامنة قد تخبو في تقلبات السياسة والمزاج والضغوط، لكنها لا، ولن تنطفىء أو تموت.
هذا الوهج وجد في الزلزال مناسبة ليتقد ويضيىء، ويفعل ما فعله وما سيفعله، وليس بالتأكيد الزلزال هو سببه الرئيسي والوحيد على نحو ما يطيب للنفوس الخائرة واليائسة والضعيفة والتائهة أن ترى، أو تستنبط.
والعروبيون هم على يقين من خطأ ووَهم من يظن أن الأفكار والآراء والتعابير التي صدرت عن العروبيين الرسميين والشعبيين الذين توافدوا إلى دمشق من وزراء خارجية عرب وبرلمانيين هي:
– إنما تمثلهم شخصياًً بمعزل عن الاتجاه العام الشعبي والرسمي.
– إنها طارئة، وسببها المجرد هو الزلزال، وليس الشعور والوجدان القومي العروبي الراسخ.
– إنها تعابير مرحلية وعارضة في سياق التعاطف المؤقت مع المحنة.
فهذه التعابير والمشاعر التي نقلتها وسائل الإعلام ليست كل ما يجيش في صدور الزائرين المحترمين، وهي على قيمتها وحرارتها وسموّها لا تختزل كل ما يمور في وجدان من يمثلهم هؤلاء المتوافدون المحترمون، فهناك بقية محترمة في الصدور لدى الشارع العربي، تليق بالعروبية، وإن لم يتح للإعلام نقلها، أو لم يُتح لحَمَلتها الأكابر نقلها أو التعبير عنها.
نحن ندرك – العروبيين والسوريين – بوجود رهانات خاسرة تريد اليوم وسابقاً وغداً العبث بوهج هذه الروح، وبالمقابل وجود من تعلّقت قلوبهم ووجدانهم بما صدر عنها، وبما أيقظته من سبات عارض، فوسيلة إعلامية مثلاً تعنون: “(التضامن الإنساني) عنواناً لزيارة شكري إلى أنقرة ودمشق” – هي وضعت القوسين – مقدمةَ أنقرة على دمشق، علماً أن معالي الوزير شكري زار دمشق أولاً؟! ووسيلة إعلامية أخرى متفائلة بالعروبية بالمقابل تعنون: “القاهرة لدمشق: ولّى زمن القطيعة”.
على أية حال، ومن منطلق التفاؤل، في هذا الزمن الصعب وفي سياق تفاءلوا بالخير تجدوه، فلا مشاحة في إعادة التذكير وباختصار بما تفضّل به الزائرون من وزراء ورؤساء مجالس نواب عروبيين من مشاعر وعبارات تليق بأصالة العربي وبروحه وسموّه وحضارته ودينه السماوي وهويته وانتمائه ووعيه، تذكيراً ليس سببه غياب هذه التعابير من الذاكرة، أو دخولها طيّ النسيان، بعدما تبيّن أن هذا الوهج ليس طارئاً ولا مؤقتاً.
فوزير الخارجية المصري السيد سامح شكري يقول: (العلاقة السورية المصرية هي ركن أساسي في حماية – الأقطار – العربية)، وفي المعجم الدلالي القومي العربي هناك فرق بين الأقطار والبلدان، ولطالما كان القوميون العرب يستنكرون الثانية إذ أن الوطن العربي يضم أقطاراً وليس بلداناً أو دولاً. ورئيس مجلس النواب المصري د. حفني الجبالي يقول: (هذه الزيارة هي لدعم سورية قيادة وحكومة وشعباً، وسورية ستعود إلى مكانها الطبيعي في الجامعة العربية).
والسيد محمد الحلبوسي رئيس الاتحاد البرلماني العربي ورئيس مجلس النواب العراقي يقول: (جاء الوفد البرلماني العربي للتضامن مع سورية وليؤكد أهمية عودتها إلى ممارسة دورها الفاعل في محيطها)، والسيد روحي فتوح رئيس المجلس الوطني الفلسطيني (القضية المركزية) يقول: (هذه الزيارة تجسّد عودة الأمة العربية إلى سورية قلب العروبة النابض)، ورئيس مجلس النواب الأردني أحمد الصفدي يقول: (فرحتنا غامرة بالقدوم إلى سورية.. فهي عنوان لتاريخ الأمة ومجدها، وهي التي توالت عليها الجراح)…. ولم يكن ما صدر عن زيارات السادة وزراء الخارجية والدبلوماسيين العرب، وبقيّة البرلمانيين المحترمين إلّا في السياق العروبي الأصيل والوجداني الرفيع نفسه.
وسورية بالأمس، واليوم، وغداً تفتح ذراعيها بالشوق واللهفة والتقدير لتحتضن الأشقاء جميعهم (فلا يفوتنا تقديم الشكر لكل الدول التي وقفت معنا من أشقاء عرب وأصدقاء.. فكانوا أخوة حقيقيين)، و(هناك مؤسسات عربية فاعلة وقادرة في مختلف الظروف على أخذ زمام المبادرة) و(العمل على تحسين العلاقات بين الدول العربية – بشكل ثنائي – هو الأساس لتحسين الوضع العربي بشكل عام)… هذا بعض ما تفضل به السيد الرئيس بشار الأسد، في هذه الظروف، والذي نرى فيه نحن العروبيون رؤية موضوعية ومجدية، تصدر عنه إدراك واعٍ للواقع العام المحيط – والمضطرب مؤقتاً – بالعلاقات العربية البينية، وبالعلاقات العربية الإقليمية والدولية. فلنعمل أشقاء عروبيين على واقع، وغدٍ أفضل نستحقهما ويليقان بعروبتنا.