الزلزالالشريط الاخباريسلايدمحليات

الكود السوري للزلازل.. اشتراطات صارمة للمباني والمخالفات تأثرت بالزلزال!

لا يزال مشهد الأبنية المتهدمة في المحافظات التي ضربها الزلزال في 6 شباط الماضي، محفورة بالذاكرة، لهول الحدث وحجم الضرر الواقع، ومن بين الركام كان هناك مشهد لافت، لا يمكن التغاضي عنه أو تجاهله، يتمثل بوجود أبنية لم ينل منها الزلزال ولم يؤثر عليها، فيما أخرى بجوارها مهدمة أو متصدعة..

عند هذه الظاهرة نقف لنتساءل هل من الممكن أن يحدث ذلك، وكيف لمبنيين متجاورين أن ينهار أحدهما ويبقى الأخر على حاله، بثباته ومقاومته للزلزال بشكل واضح.

أثناء البحث عن إجابة لتساؤلاتنا، سمعنا، على لسان الدكتور محمد العصيري، رئيس الجمعية الفلكية السورية، أن هناك “كود” خاص للبناء في بلادنا يُعرف باسم الكود العربي السوري للزلازل، وهو نظام للتحكم بتصميم وصيانة المباني لتحقيق الحدود الممكنة لمقاييس السلامة العامة، ويعتبر الآلية التي من خلاله يتم تنفيذ وتقييم المنشآت بالخرسانة المسلحة لمجابهة الزلازل.

وبحسب العصيري، فإن الكود، الذي صدر عام 1996، اعتمد على أن البلاد هي في الواقع منطقة زلزالية وتقع على عدة فوالق زلزالية، مشيراً إلى أنه تم احتساب الزلازل بشكل دقيق، وعليه أُنتجت خارطة لسورية بثلاث ألوان، تتدرج تبعاً لخطورة المنطقة الزلزالية، وبالتالي الدرجة التي يُنفذ بها الكود.

الكود الذي وضع أساساً من قبل نقابة المهندسين في سورية، ساهمت العديد من الجهات في تطويره، من أخصائيين في الهندسة والجيولوجيا والجغرافيا وغيرها، سواء في جامعة دمشق أو المعهد الوطني للزلازل أو المعهد العالي للزلازل، ومن خلاله يتم التشبيك مع المحافظات والبلديات عند البناء، وفقاً للدكتور العصيري.

إذا، طالما أننا نملك “كوداً” يفصل كيفية التعاطي مع طبيعة المنطقة والبناء على تلك الأسس الموضوعة، فلماذا شهدنا انهيارات عديدة للمباني، وأين الخلل الحاصل، هل هو في المعايير نفسها أم بمكان أخر؟؟.

وبالتأكيد فإن الجهة الأجدر على الإجابة عن تساؤلاتنا هي نقابة المهندسين، كونها المسؤول الرئيس عن تطبيقه، وعليه قدم لنا الدكتور المهندس كرامة بدورة، رئيس لجنة الكودات في النقابة، شرحاً وافياً عن آلية عمل الكود، حيث أوضح بأن الكود السوري للزلازل هو خلاصة العلم فيما يتعلق بالبناء والإنشاءات، وهو يضم الاعتبارات والعوامل المعتمدة في الدراسات الهندسية للأبنية لتكون مقاومة للزلازل، لافتاً إلى أن الكود يخضع لتقييم دوري وتحديث مستمر ليواكب التطور العلمي في هذا المجال، وأخر تحديث له كان عام 2019.

الدكتور بدورة بين أن الكود الحالي يعتمد على تطبيق عوامل الأمان بدرجات عالية في البناء، فضلا عن التشديد على تطبيقها ضمن الاشتراطات الواردة فيه عند التصميم والإشادة على اختلاف أنماط المباني، وهو يلبي الغاية التي أُعد من أجلها، شريطة التزام المهندس الدارس والمهندس المنفذ بتطبيقه.

ولفت إلى أن أي مهندس يعمل على منشأة أو بناء ما، فهو يدرسه بما يحقق الكود السوري ويقدم دراسته للنقابة التي تدقق حساباته وتفضيلاته، وتصدر المخططات ومعها مذكرة حسابية تفصيلية، تُرسل إلى المحافظة التي بدورها تقوم بمطابقة وتدقيق المخطط من الناحية المعمارية فقط، وتُجرى بعد ذلك دراسة شاملة من الناحية الإنشائية والميكانيكية والكهربائية والصحية وغيرها، وأخيراً تعتمد المحافظة المخطط وتُصدر رخصة البناء ليتم التنفيذ وفقها.

غير أن عدم الدقة من قبل بعض الجهات، كالبلدية أو المقاول أو المهندس المشرف، تؤدي إلى خلل في التطبيق، بحسب رئيس لجنة الكودات، الذي نوه إلى أن آلية أذونات الصب لا تطبق بحذافيرها، في بعض الحالات، إذ لا يمكن إعطاء أمر الصب في حال اكتشاف خلل ما في العملية، لذا من المهم هنا أن يأخذ الإشراف دوره في متابعة الوضع وتصحيحه لحين عودته إلى حالته الطبيعية عندها يمكن المتابعة، ولكن عدم المتابعة والمراقبة تتسبب بحدوث مشكلات عديدة.

وعلى سبيل المثال، ذكر الدكتور بدورة أنه عند معاينة الأضرار الناجمة عن الزلزال، فقد تم اكتشاف الكثير من الأخطاء في تنفيذ المباني المدمرة الأمر الذي جعل تأثير الزلزال عليها شديداً، فبعض المباني لم يُنفذ لها أسبار، ولم تكن دراسة التربية الخاصة بها مكتملة، وللأسف أدى ذلك لحدوث الكارثة وانهيارها، وأعاد التأكيد على أنه رغم وجود إلزام بتقديم دراسة خاصة للمباني، إلا أن ذلك لا يُطبق غالباً، وهنا تكمن المشكلة.

وهذا أيضاً ما أشار له رئيس الجمعية الفلكية السورية، حيث أفاد بوجود تساهل بالكود السوري وتجاهل تام لحقيقة أننا منطقة زلزالية، وبالتالي لم يؤخذ بالاعتبار دراسة البناء الخرساني والصخور والتربية بناءً على الزلازل، وهذا الخطأ كان مدمراً، من وجهة نظره.

الآن، وبعد تهدم وتصدع الكثير من المباني لا بد من إجراءات لتدارك آثار الزلزال والنهوض بالأبنية وفقاً للأسس المعتمدة والتشديد في تطبيق المعايير الموضوعة، وفي هذا السياق أوضح الدكتور بدورة، أنه بالنسبة للمباني المتصدعة فقد أُعطيت السماح لأن تدعم، أي يُعاد تأهيلها، أما التي حصلت فيها انهيارات، لكونها مخالفة بالأساس، فإن التعامل معها سيكون بحسب عوامل عديدة منها الاعتمادات والموازنة، فضلا عن التوجه العام لعلاجها ككل.

أما بالنسبة للأبنية التي يتولاها متعهدون وحصلت فيها انهيارات أو تصدعات، فإن المالك هو المسؤول عن تبعات ما حصل وإعادة الإنشاء، وهنا يشدد الدكتور بدورة على أن كل المباني التي نُفذت فيها دراسات الأبنية وفقاً للاشتراطات التي وضعها الكود لم يحصل بها أي تصدع ولم تتأثر بالزلزال.

 

رغد خضور