حديث آخر عن الدراما!
لا تتشابه الدرما مع الواقع، ولا تكون انعكاس حرفي له، لكنها أيضا ليست إعادة بناء ولا تشكيل جديد لما حصل فعلاً في أزمان ماضية.
فلا وجود لأبو عصام في دمشق القديمة، ولا لجبل في الحدود السورية مع لبنان، لا للزند في منطقة العاصي، وهنا تكون صناعة الدراما لها أسباب وغايات منها ما هو تجاري ومنها ما يتجاوز التجاري بكثير، لدرجة أن يتدخل في صياغة وعي عام مختلف عما هو قائم، فالشخصيات المذكورة أعلاه رغم عدم وجودها في الأماكن التي قدمتها فيها الدراما إلا أننا إن سألنا أي مشاهد عربي من الجزائر أو تونس أو الخليج العربي عن الشام القديمة فسيذكر أحد الأعمال المشهورة في تصدير صورة خاطئة عن دمشق وأهلها، الأمر ينسحب على جبل وعلى عاصي الزند وآخرين.
نحن هنا أمام معضلة في التعامل مع الدراما التلفزيونية بالتحديد وأقول نحن قاصداً بها الشرقيون عموماً إذ دخلت الدراما في صراعات بين دول، وقدمت نماذج متهاوية أخلاقياً في التعامل مع المادة التاريخية، فأحد الأعمال التي تعرض حالياً يدعي استناده إلى تاريخ قريب، ورغم ذلك اضطر لتزوير فقط 90 % مما يعتبر حقيقة لا يمكن تزوريها لأنه واقع قائم، فهي بالنسبة لنا ليست للمتعة كما يفترض بالفنون وليست أيضا مضماراً لا يعني إلا الساعين فيه، وهذا يشير إلى أن التعامل مع هذه المادة يجب أن يكون متوخياً قبل أي شأن مادي الشأن الأخلاقي العام الذي شئنا أم أبينا يؤثر بالأجيال.
من جهة أخرى فتجسيد معاني البطولة والشجاعة للفرد وسلب هذه القيم من مجتمع كامل لصالح البطل يجد في الدراما مسوغات ربحية كون أحد أشكالها يقوم على التطهير فالبطل رمز شعبي عام كذلك الشخصية المضادة، المشكلة فقط عندما تشتكل الأمور على الجمهور فلا يعود يعرف ما هي صفات البطولة وكثيراً ما يخطئ بالبطل نفسه، ففي أحد الأعمال الدرامية كانت الناس تقف لا شعورياً مع القاتل لأن الدراما ارتأت أن تقدمه جذاباً! وهنا خطورة الدراما أنها تنسب الفعل الجماعي لشخصية فردية وتبرره على هذا الأساس.
بالمجمل لم تستطع الدرما سواء لدينا أو في أعتى شركات صناعتها العربية أن تقدم حال هذا المجتمع بمصداقية، وترفع عن الصغائر وزرع قيم يبدو أنها آخذة بالتلاشي وهنا تكون مهمة الدراما تعليمية وليست سياحية أو ترفيهية فقط فأين هذه الصناعة من هذا الكلام!
بلال ديب