التحديث الصيني النمط والعالم
بقلم سفير جمهورية الصين الشعبية في سورية السيد شي هونغوي
حدد المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني الذي عقد في أكتوبر عام 2022 مخططًا لتنمية الصين المستقبلية، واقترح بوضوح تعزيز التجديد الكبير للأمة الصينية بطريقة شاملة من خلال التحديث على طريقة النمط الصيني. منذ وقت ليس ببعيد، عقد منتدى لانتينغ حول “التحديث الصيني النمط والعالم” في شنغهاي. أرسل الرئيس الصيني شي جينبينغ رسالة تهنئة إلى المنتدى وأشار إلى أن تحقيق التحديث كان بالسعي الدؤوب للشعب الصيني منذ العصر الحديث، وهو أيضًا بالسعي المشترك للشعوب من جميع أنحاء العالم. الصين على استعداد للعمل مع الدول الأخرى لتوفير فرص جديدة للتنمية العالمية مع إنجازات جديدة في التحديث على النمط الصيني، وتقديم مساعدة جديدة للبشرية لاستكشاف مسارات تحديث وأنظمة اجتماعية أفضل، وتعزيز بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية.
يعد التحديث الصيني النمط خيارا حتميا لعملية التنمية في الصين التي دامت مائة عام، وهو ما يقتضيه الدفع بالنهضة العظيمة للأمة الصينية على نحو شامل، كما جاء كنتيجة حتمية للقواعد العلمية لتنمية البشرية. ستدافع الصين بحزم أكبر عن الحقوق التنموية لجميع الدول، وستعمل بنشاط أكثر على دفع الانفتاح العالي المستوى، وستدفع بوعي أكثر بالتواصل الحضاري، كما ستتعاون بوعي أكثر لبناء مجتمع المستقبل المشترك للكائنات الحية على الأرض، وستدافع بحزم أقوى عن النظام الدولي.
إن التحديث الصيني النمط يضخ ديناميكية أقوى للتعافي الاقتصادي العالمي. فقد أصبحت الصين اليوم شريكا تجاريا رئيسيا لأكثر من 140 دولة ومنطقة، وتتدفق الاستثمارات الصينية المباشرة بقيمة 320 مليون دولار أمريكي إلى العالم يوميا، وتقوم أكثر من 3000 شركة أجنبية بالتسجيل في الصين شهريا. على مدى العقد الماضي، كانت تتقدم الصين على مجموعة الدول السبع مجتمعة من حيث نسبة المساهمة في النمو العالمي. مع دخول 1.4 مليار ونيف من سكان الصين بالكامل إلى المجتمع الحديث، كما ستقدم الصين حتما قوة دافعة أكبر للاقتصاد العالمي .
إن التحديث الصيني النمط يشق مسارا أوسع للتنمية المشتركة لكافة الدول. يصادف هذا العام الذكرى السنوية العاشرة للبناء المشترك للرئيس شي جينبينغ لمبادرة “الحزام والطريق”. خلال هذه السنوات العشر، تم التشييد أكثر من 3000 مشروع تعاوني، مما زاد الاستثمارات بقيمة قرابة تريليون دولار أمريكي، ووفر 420 ألف فرصة عمل للدول المطلة على “الحزام والطريق”. ونالت مبادرة التنمية العالمية التي اقترحها الرئيس شي لغاية الآن دعما من أكثر من 100 دولة والعديد من المنظمات الدولية. تولي الصين أهمية كبيرة لحل مشاكل ديون البلدان النامية ، وتنفذ بشكل نشيط وشامل مبادرة مجموعة العشرين لتخفيض الديون ، وتساهم بنسبة تصل إلى 63٪ من حصة تعليق الديون.
إن االتحديث الصيني النمط يفتح حتما آفاقا أفضل لتقدم المجتمع البشري. حيث طرح الرئيس شي جينبينغ مبادرة الحضارة العالمية، التي تدعو إلى الاهتمام بالتراث والإبداع الحضاريين، واحترام التنوع الحضاري للعالم، والتمسك بالمساواة والاستفادة المتبادلة والحوار والتسامح بين الحضارات. ويسعى التحديث الصيني النمط للوصول إلى توافق بين الحضارة المادية والحضارة المعنوية، والهدف النهائي هو تحقيق التنمية الحرة والشاملة للإنسان.
إن التحديث الصيني النمط يوفر حلا أكثر قابلية للتنفيذ لبناء عالم نظيف وجميل. تحمل الصين على عاتقها بكل وعي مسؤولية حماية البيئة الإيكولوجية ومواجهة تغير المناخ، وتتصدر العالم في المجالات التالية: مساحة الغابات الاصطناعية التي تشكل ربع إجمالي مساحتها في العالم؛ حجم تطوير واستغلال الطاقة المتجددة، حيث تشكل السعة الاستطاعة المركبة من الطاقة الريحية والشمسية في الصين ثلث إجمالي السعات المركبة في العالم؛ حجم إنتاج ومبيعات السيارات العاملة بالطاقة المتجددة، حيث تسير في الصين نصف السيارات العاملة بالطاقة المتجددة في العالم.
إن االتحديث الصيني النمط يأتي بمزيد من العوامل المؤكدة على السلام والاستقرار في العالم.لا تهدف الصين من تنميتها إلى الهيمنة، حيث الصين هى الدولة الوحيدة التي أدرجت “التمسك بطريق التنمية السلمية” في دستورها، وهي أكبر مساهم بقوات حفظ السلام من بين الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وهي الدولة الوحيدة التي تتعهد بألا تكون البادئة باستخدام الأسلحة النووية من بين الدول النووية الخمس. طرح الرئيس شي جينبينغ مبادرة الأمن العالمي، التي أوضحت الاتجاه الصائب لتحقيق الأمن المشترك والأمن العالمي. لطالما أيدت الصين التسوية السلمية للنزاعات الدولية من خلال التشاور والحوار. كانت الجهود الصينية المبذولة قد ساهمت في استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، مما أدى إلى “رياح المصالحة” في الشرق الأوسط، ودفع المزيد من الدول إلى المصافحة والمصالحة.
يعد التحديث قضية مشتركة للبشرية جمعاء. يوضح نجاح التحديث الصيني النمط بشكل كامل أن التحديث ليس له نموذج ثابت. تتمكن كافة الدول من تحقيق أحلامها للتحديث، طالما يتفق نمط التحديث مع ظروفها الوطنية ويخدم تنمية شعوبها.
إن التحديث الصيني النمط ابتكرته الصين، ويمكن للعالم أن يستفيد من الفرصة التي أتى بها. وهو تحديث يغطي حجما سكانيا هائلا، يتمتع فيه جميع أبناء الشعب برخاء مشترك، يوفق بين الحضارة المادية والحضارة المعنوية، ويسلك طريق التنمية السلمية. بناءً على ظروفنا الوطنية الخاصة واستنادًا إلى تجارب البلدان الأخرى، لا يرث التاريخ والثقافة فحسب، بل يدمج أيضًا الحضارة الحديثة، لا يفيد الشعب الصيني فحسب، بل يعزز التنمية المشتركة للعالم أيضا. إنه السبيل الواسع لبناء دولة قوية وتحقيق نهضة الأمة، وهو أيضًا السبيل الوحيد أمام الصين للسعي إلى التقدم البشري والوئام العالمي. إن الجانب الصيني على استعداد للعمل مع الدول الأخرى على توفير فرص جديدة للتنمية العالمية بالاستفادة من الإنجازات الجديدة التي يحققها التحديث الصيني النمط، وتقديم طاقات جديدة في العمليات التي تقوم بها البشرية لاستكشاف طرق تحديث ونظم اجتماعية أفضل وإقامة مجتمع المستقبل المشترك للبشرية.
في الآونة الأخيرة، استأنفت جامعة الدول العربية عضوية سورية. وإذ يعرب الجانب الصيني عن خالص الترحيب والتهاني بعودة سورية إلى جامعة الدول العربية، ويثق بأنه سيساهم في تعزيز تضامن الدول العربية، وتسريع خطوات العالم العربي نحو التنمية والنهضة، كما سيجلب المزيد من العوامل الإيجابية لطريق إعادة الإعمار في سورية.
تربط الصين وسورية صداقة تقليدية عميقة، وهما صديقان حميمان وأخوان عزيزان، ومن المؤكد أنهما ستكونان شريكين يتقدمان يدا بيد على طريق التحديث. وبالنظر إلى المستقبل، فإن الصين مستعدة للعمل مع سورية وغيرها من دول العالم لتعزيز التحديث بخصائصها وخلق غد أفضل للعالم معا. كما نأمل ونؤمن أنه مع مشروع المزيد من دول العالم في طريق التحديث وتحركها نحو هدف بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية، من المؤكد أننا سنبني الأرض، المنزل المشترك الوحيد للبشرية حيث سيكون مكانا أفضل وأجمل.