النزاع في أفريقيا وعليها
د. عبد اللطيف عمران
أفريقيا أرض طيبة، وشعب طيب أيضاً، عانت ولاتزال تعاني – كما يعاني العرب – من الإرث الاستعماري القديم، ومن الاستعمار الجديد وفق ما ردد قادتها وبصوت مرتفع في القمة الروسية الأفريقية التي عقدت الأسبوع الماضي في مدينة سان بطرسبرغ الروسية وتزامنت مع الانقلاب في النيجر.
لا شك في أن هذا التزامن كان من قبيل المصادفة، لا القصد، وإن كان مناصرو السلطة الجديدة قد أحرقوا العلم الفرنسي، ورفعوا الأعلام الروسية، فهناك شعور عام ويكاد يكون عارماً في المجتمعات الأفريقية يرفض استمرار النفوذ الأوروبي والأمريكي في القارة، ويندد بمفرزات، وبنتائج الإرث الاستعماري الغربي وبسياسات الهيمنة الفرنسية، وأحادية القطب الأمريكية، ويتطلّع إلى مواصلة البنيان على روح حركة التحرر الوطني الأفريقية ونتائجها التي أنجزت إيجابياً ما أنجزته في النصف الثاني من القرن الماضي. لكن الغرب كان بالمرصاد لأي نوع من هذه الروح في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وهنا تعود بنا الذاكرة إلى نشأة منظمة تضامن الشعوب الأفروآسيوية – الأمريكية اللاتينية ونشاطها السابق: تذكاراً وحنيناً، وضرورة إحياء.
في أفريقيا مجاعات، وحروب، وإرهاب، ونفوذ أوروبي وأمريكي طاغٍ وعارم: 600 مليون مواطن يعيشون في الظلام، مقابل ثروات كبيرة طبيعية، وبشرية دون فاعلية وتنمية بسبب الاستبداد الغربي المستدام بكافة حقوق ومقدرات القارة وتطلّعات شعوبها نحو الاستقلال والسيادة والتنمية بأنواعها كافة.
واكب النزاع الأفريقي الداخلي والبيني – الذي بدأ الأفارقة منذ سنوات يدركون أثر الأيدي الخارجية فيه – نزوع دولي يمكن تسميته نزاعاً أو سباقاً نحو الخيرات والثروات الواعدة مادياً ومعنوياً في هذه القارة، وبدأ عدد من القوى الدولية، غير الأوروبية التقليدية، بالتوجه نحو أفريقيا، وعلى هذا الأساس عقدت عدة قمم أفريقية مع هذه القوى.
ربما كانت الصين هي القوة الأكبر المنافسة للغرب والمبادرة للتوجه نحو الاهتمام بتنمية علاقاتها بأفريقيا بشكل واضح وفاعل منذ عام 2000، وتطوَّر هذا الاهتمام بشكل أكبر مع إطلاقها مبادرة الحزام والطريق عام 2013، وتلتها روسيا فعقدت قمتين روسية أفريقية في عامي 2019 و2023، ولم تكن تركيا بعيدة عن هذه التطلّع فعقدت ثلاث قمم تركية أفريقية بين 2008 و2021، بالمقابل عقدت الولايات المتحدة الأمريكية بحضور الرئيس بايدن قمة أمريكية أفريقية مطلع عام 2022، كما استمر التدخل أو التسلل الإسرائيلي الخبيث الظاهر والخفي إلى مسرح الأحداث الأفريقي.
لعلَّ القمة الروسية الأفريقية المنعقدة الأسبوع الماضي هي صاحبة الدلالات الأوسع والأسطع على واقع ووقائع النزاع في أفريقيا، وعلى أفريقيا، من سواها من القمم السابقة لأنها (عقدت في ظرف دولي بالغ التعقيد، ومناخ عام يتّسم بدرجة عالية من التعقيد) على حد تعبير الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال القمة.
تذكّر مجريات القمة الروسية الأفريقية تلك بماضي الاتحاد السوفييتي السابق و/المحترم/ في دعم نضال شعوب أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ضد الاستعمار والنفوذ الأوروبي الغربي والأمريكي، وقد تمثّلت تلك القمة بحضور 49 بلداً أفريقياً عبَّر قادتها عن رفضهم ورفض شعوبهم الهيمنة الأوروبية والأمريكية، وعن تعاونها مع روسيا في مواجهة هذه الهيمنة، ومواجهة الاستثمار في إرهاب “داعش” وأخواته، وعن العمل سوية في ملفات التنمية والشراكة الاستراتيجية لوقف استمرار الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الحادة في أفريقيا، انطلاقاً من السعي نحو عالم متعدد الأقطاب، ومن التعاون مع روسيا، ومع مجموعة بريكس لمواجهة (الاستعمار الجديد) – ما يدعم تحدي المشروع الصهيوأمريكي في المنطقة – ومواجهة الضغوطات الأوروبية الأمريكية لفك ارتباط التعاون الروسي الأفريقي، ولإفشال القمة ذاتها، وهذا ما عبّر عنه قادة الدول الأفريقية الذين لم يفتهم التذكير بإسهامات الاتحاد السوفييتي السابق، وروسيا اليوم، بتطلعات الأفارقة حيث أمدّت روسيا أفريقيا بـ 11 مليون طن من الحبوب العام الماضي، وبـ 10 طن حتى النصف الأول من هذا العام، وشطبت ديوناً للقارة تصل إلى 35 مليار دولار، ما يجعل تلك القمة في سياق مستقبل أفضل للبشرية، ومن أفريقيا قوة عالمية حين تتمكن من تفكيك الهيمنة الغربية، ومن التمتّع بثرواتها الطبيعية الهائلة في عالم يتجه ليكون متعدد الأقطاب يتعامل بعملاته الوطنية ولا يستمر فيه استبداد الدولار وغطرسته.
في هذا السياق أتى الانقلاب في النيجر في خضم موجة الاستقلال عن نفوذ فرنسا والغرب، وشكّل صفعة لأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية بالرغم من صراخ جوزيف بوريل: “لا يزال محمد بازوم رئيس الدولة الوحيد في النيجر، ولا يمكن الاعتراف بأي سلطة أخرى دون استعادته منصبه بلا تأخير أو شروط”.
والسؤال المهم والمُلحّ هنا: ما دور الحضور العربي برأسماله المادي والسياسي والاجتماعي والثقافي والروحي في هذا النزاع على أفريقيا؟