سورية القادرة على اللعب بكل أوراقها
بسام هاشم
بلى.. قررت الصين أن تختار المواجهة، ودعت السيد الرئيس بشار الأسد لزيارتها، في «لحظة اقتصادية» أشبه بتلك اللحظة السياسية والأمنية التي قرر فيها بوتين وضع حد للاستفزازات الأطلسية.. لقد طفح الكيل، وضاق العالم ذرعاً، والولايات المتحدة الأمريكية تزداد جنوناً وشراسة وعدوانية، فواشنطن التي تتحسس التدهور الاقتصادي والشقوق التي تنخر الكتلة الغربية المتآكلة، تبحث عن تأجيج المزيد من حروب «الوكالة» – الاقتصاية هذه المرة.. إنها تفتعل الصدامات الإقليمية والدولية، وتسابق الخطى لزج العالم في أتون مرحلة أشد رعباً وانقساماً من الحرب الباردة؛ وفي إثرها يزداد حلفاؤها، الشرق أوسطيون خاصة، عدوانية وتعطشاً للقوة، ورغبة في اقتطاع وسلخ مساحات جديدة من أراضي جيرانهم، أو الانخراط في مشاريع المنافسة الأمريكية على المستويات القارية.
وما حدث خلال زيارة الرئيس الأسد إلى الصين، والقمة التي جمعته بمضيفه الصيني شي جين بينغ، والاتفاق على «الشراكة الاستراتيجية» بين البلدين، كان، في هذا السياق، تحولاً بالغ الدلالة في المشهد الإقليمي والدولي، فالصين التي تعمل بسرعة على إعادة تشكيل الديناميكيات الإقليمية والعالمية من خلال الاضطلاع بدور أكبر في الشرق الأوسط، ولربما تعمل على ملء الفراغ الذي أحدثه تحول تركيز الولايات المتحدة إلى جنوب شرق آسيا، تعزز احتمالات قوية بأن تعيد توزيع الأوراق في البر القاري الذي يمتد من شرق البحر المتوسط إلى غرب آسيا، أو على الأقل المساعدة في تحسين التوازن الصعب بين القوى المتصارعة على امتداد هذه المساحة الهائلة. وبالطبع، وكما يمكن الاستنتاج بسرعة، لن تكون التعددية القطبية عالماً من الاستقرار الشامل، ولا من السلام الأبدي، ولكنها بالتأكيد ستكون عاماً أكثر عدالة وإنصافاً وحرية، فالعالم متعدد الأقطاب الذي يتشكل اليوم «سيعيد التوازن والاستقرار للعالم، ومن واجبنا جميعا أن نغتنم هذه اللحظة من أجل مستقبل مشرق وواعد»، كما أكد الرئيس الأسد خلال القمة.
تلك هي الخلفية التي تحكم بقواعدها اللعبة الجيوسياسية الجديدة، أما من لا يرى فيما حدث في بكين سوى ملامح «كسر عزلة» دبلوماسية والعودة إلى «حاضنة» ما، مهما كانت صفتها، فإنما يتعمد تقزيم الموقف، محكوماً، عن قصد أو دون قصد، برؤية محدودة وقاصرة، فسورية ليست وحدها، وهي اختارت بنفسها المكوث في موقف الدفاع عن مصالحها؛ ودفاعها عن هذه المصالح يضعها تلقائياً في مواجهة مباشرة مع الغرب الأوروبي والأمريكي. وسورية بالضبط لا تجد نفسها إلا في المعسكر الآخر، والذي يضم قوى كبرى لا تقل أهمية عن الولايات المتحدة الأمريكية، بل وتملك من الرصيد السياسي والأخلاقي والإنساني والثقافي ما تبدو واشنطن أمامه مجرد كتلة تاريخية طارئة. كما أن هذا المعسكر في حالة توسع مضطرد، ويتخذ الآن في أفريقيا، مثلاً، شكل حركة مقاومة ونضال من أجل التحرر الوطني، وثورة عارمة ضد الهيمنة الغربية، بما يعكس رغبة كل الشعوب في تقرير مصيرها والسيطرة على مواردها وبناء اقتصاداتها، وتحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية فيها.
تندرج «الشراكة الاستراتيجية» السورية الصينية، في هذا الإطار، كـ «معلم مهم» في تاريخ العلاقات الثنائية السورية الصينية، حسب تعبير الرئيس جين بينغ. وسوف يساعد رفع مستوى العلاقات إلى هذا المستوى على إعادة بناء الاقتصاد السوري الذي دمره المرتزقة التكفيريون، المحليون والأجانب، والذين مولتهم ودربتهم وجندتهم إدارات أمريكية متعاقبة تواصل سرقة موارد الشعب السوري النفطية والزراعية، وتفرض عليه العقوبات والحصار، وتحول دونه ودون تدفق الاستثمارات الأجنبية، بما فيها الاستثمارات الصينية في حقول ومشاريع النفط والطاقة التي يحتلها الجيش الأمريكي أو التي تم إغلاقها تحت ضغط العقوبات الغربية. وإذا كان البعض لا يروق له، ولا يريد، الاعتراف بانتصار سورية، فإن سورية ماضية، بثبات، في مسارها الذي اختارته إلى النهاية، وهي ليست مستعدة للتراجع أمام أية ضغوط، وليست معنية بالتعاطي مع أية مطالب، أو تقديم أية تنازلات، يمكن أن تنال من حقوقها ومصالحها وتطلعاتها.. سورية لن تتخلى عن حقيقة أنها انتصرت، وهي عازمة على تحويل هذا الانتصار إلى معطى سياسي واقتصادي واجتماعي وفكري وثقافي، ولن توفر لواشنطن، ولا لوكلائها، ولا لعملائها، فرصة تفريغ هذا الانتصار من مضمونه من خلال الحصار والعقوبات والتحريض على النزعات الانفصالية. وستظل سورية قوية بأصدقائها، وستظل قارة على اللعب بكل أوراقها لحماية مصالحها ومصالح شعبها.