الحلول باليد لكنها تفتقد للحنكة والحكمة!
لا نأتي بجديد عندما نقول أن أغلب مشاكلنا الاقتصادية وحتى المعيشية سببها إداري، فرغم الظروف الصعبة التي تعيشها البلد منذ أكثر من /12/ عاماً، هناك إمكانيات متاحة لو عرفنا كيف نتعامل معها ونوظفها بشكل صحيح لكانت خسائرنا في أدنى درجاتها، لكن على ما يبدو هناك من يستأنس بالحلول المستوردة ويحبذها، كونها تأتي على الجاهز، وبالرغم من أن الكثير منها كان فضفاضاً ولم يكن مناسباً “فثوب العيرة ما بيدفي”.
الاعتراف فضيلة!
لم يتردد خبير في الاقتصاد من القول متسائلاً: لا ندري متى يأتي اليوم ونعترف به أننا أخطأنا في اتخاذ هذا القرار أو ذاك أو تبني هذا الخيار الاقتصادي دون غيره؟.
لا ندري لماذا يغيب عن أذهان المعنيين أن أي حديث عن تنمية اقتصادية وحلول لمشاكلنا العالقة لا يمكن أن يتم إذا لم يتوفر لدينا نظام إداري حديث، قائم على خطط وبرامج تمكننا من إدارة واستثمار مواردنا الاقتصادية والبشرية بالشكل المطلوب!.
هدر مؤلم!
لا نريد أن نذهب بعيداً في الإشارة إلى الأخطاء التي تكلفنا كثيراً، فكلنا يعرف نبع السن، وكلنا يعلم أن مياهه تذهب هدراً إلى البحر، والمؤلم أن سكان القرى المحيطة بسرير نهر النبع تعاني من شح المياه، ويضطر الأهالي لشراء الصهاريج بتكلفة تفوق الـ 75 ألف ليرة لـ 500 ليتر من المياه الصالحة للشرب، وذلك لعدم قدرتهم على ضخ المياه لبيوتهم بسبب عدم وجود كهرباء!.
السؤال الذي يطرحه أهالي المنطقة: هل عجزت الجهات المعنية عن استثمار مياه النبع ببناء خزانات وتركيب مضخات لإرواء القرى التي تتحسر على هدر مياه النبع العذبة؟!.
أسئلة مشروعة بلا شك، فما يحدث ليس مبرراً على الإطلاق، خاصة وأنا كل إمكانية الحل قائمة، وغير مكلفة، فلماذا الانتظار على هدر المياه العذبة وهناك قرى ومناطق تشتهي نقطة منها!.
دعم بالكلام!
ولو جئنا إلى الزراعة فسنجد الأمور ليست بخير أيضاً، فبحديث الأرقام تبلغ مساحة الأراضي القابلة للزراعة في سورية بحدود الـ 32% من مساحة سورية البالغة 185,180 كم²، وتنقسم إلى أراضٍ مروية، وتبلغ مساحتها مليوناً و500 ألف هكتار، وأراضٍ بعلية (تعتمد على مياه الأمطار للري) تبلغ مساحتها 3 ملايين و600 ألف هكتار.
لا شك في أن أي دولة بالعالم تتمنى لو تمتلك هذا الكنز من الأراضي الزراعية، ومعلوم للجميع أن سورية قبل الحرب وصلت لمرحلة الاكتفاء الذاتي في الإنتاج الزراعي سواء من الحبوب أو الزيتون والقطن أيضاً، فالزراعة كانت مدعومة بكل معنى الكلمة، حيث لم تكن هناك مشكلة عند المزارعين بتأمين مستلزمات الزراعة ولا بجني المحصول وتسويقه، ورغم معرفة المعنيين أن الزراعة هي الضامن الحقيقي لعودة عجلة الإنتاج في سورية، لكن تحركهم على الأرض لا يبشر بالخير، بل الأصح القول إن القرارات التي اتخذت فيما يخص الشأن الزراعي لم تكن داعمة لهذا القطاع الحيوي، بدءاً من وضع أسعار غير مشجعة لتسويق القمح والشوندر السكري وحتى الحمضيات والفواكه، مروراً برفع سعر الأسمدة وعدم توفير المازوت بالكمية الكافية، وغير ذلك من أمور لم تكن مشجعة للفلاحين، والنتيجة كانت هجرة عدد كبير منهم لأرضهم أو الاكتفاء بزراعات موسمية بمساحات محدودة تؤمن لهم لقمة عيشهم!.
والسؤال الذي يراود كل فلاح اليوم: لماذا يغيب الدعم الحقيقي المحفز للفلاح على التشبث بالأرض واستثمارها؟!.
معلوم أن الكثير من المزارعين كانوا يتركون المحاصيل في الأرض نظرا لتكلفة جنيها وصعوبة تسويقها بالسعر الذي يحقق لهم الربح!
للأسف بالرغم من توفر إمكانيات جيدة لدعم القطاع الزراعي إلا أن الخطط والبرامج لاستثمارها غائبة، والمؤلم أكثر أننا نقوم بتصدير بعض المحاصيل، وذلك كان سبباً في تحليق أسعار المنتجات الزراعية إلى أرقام قياسية!.
غيض من فيض
ما سبق هو غيض من فيض اللامبالاة التي تتعامل بها بعض الجهات المعنية مع الموارد المتاحة سواء في القطاع الزراعي أو الصناعي، وحتى باقي القطاعات الأخرى!، فإلى متى يستمر الترهل الإداري في شل الإمكانات المتوفرة للتحسن الزراعي والصناعي وفي كل المجالات؟، وإلى متى يستمر التفكير من داخل الصندوق الخشبي، واستمرار السياسات الاقتصادية العرجاء ذاتها؟!.
غسان فطوم