من تشرين التحرير إلى تشرين الطوفان
“إن ضمير أمتنا ينادينا، وأرواح شهدائنا تستحثنا.. وإن جماهير أمتنا من المحيط إلى الخليج تشخص بعيونها وأفئدتها إلى صمودنا العظيم.. وكلها أمل وثقة، إلى النصر سائرون”.. القائد المؤسس حافظ الأسد 7-10-1973
نعم إن جماهير العالم، اليوم، تشخص بعيونها إلى غزة فلسطين، كما كانت قبل خمسين عاماً، تترقب أخبار الجبهة السورية والمصرية في حرب تشرين التحريرية، وتتابع الحدث لحظة بلحظة، فالكل معنيٌّ بما يجري داخل أراضينا المحتلة، الآن، وحينها، وكيف لا وها هي أجيال جديدة تشهد بأم أعينها ما كانت تسمع عنه ممن سبقها عن أسطورة تحطمت لجيش كان يُعتقد أنه لا يُقهر.
من عاش أحداث تشرين التحرير يراها اليوم في تشرين الطوفان، فالهجوم المباغت كان سمة الحربين، حيث فاجأت فصائل المقاومة الفلسطينية العدو بآلاف الصواريخ التي سقطت، منذ ساعات الصباح الباكر، على المستوطنات في القطاع المحاصرة، في محاكاة لـ140 طائرة قاذفة ومقاتلة وجهت ضرباتها الجوية لقوات الاحتلال في الجولان السوري المحتل، يوم السادس من تشرين الأول عام 1973.
هي الإرادة العربية والتصميم على مقاومة الاحتلال، تتجسد ثانية، وإن اختلفت أشخاصها ومعالمها، في غزة وطوفان الأقصى، بقدر ما كانت يوم التحرير بل أكثر، بدقة وتكتيك استراتيجي حَشر العدو في أضيق الزوايا، وحاصره خلف دفاعاته التي كان يعتقد أنها عصية على الاختراق.
لا يمكن أن نتكلم عن السابع من تشرين بمنأى عن السادس منه، وبالتأكيد لن ننسى يوم الخامس الدامي الأليم، وهذا إن دل على شيء فإنه يؤكد على وحدة المعركة وميدانها، ووحدة المقاومة وساحاتها، قد لا يكون ما نشهده اليوم حرباً تشرينية بالصورة القديمة ذاتها، لكنها بالتأكيد تحمل كل مقوماتها، من إرادةٍ وتنسيقٍ وصوتٍ ومصيرٍ واحدٍ.
حالة المقاومة تطورت خلال العقود الماضية، وباتت حالة عامة ربطت ساحات العمل المقاومي، إذ لم يعد بالضرورة أن تكون جبهة القتال على أرض واحدة، فالطوفان تجاوز الأقصى والقطاع المحاصر، ووصل إلى سورية ولبنان ومصر، الساحة التي كانت يوم تشرين التحرير سوريّة مصريّة ضد محتل غاشم على الأراضي الفلسطينية، هي ذاتها اليوم باختلاف ميادينها ومعاركها وقادتها.
بعد نصف قرن على الحرب، قُرعت طبولها من جديد، وهي التي لم تنته أبداً أو تتوقف، لكن المؤامرات الخارجية على محور المقاومة واستهدافه أجلت معاركها، إلا أن الرد كان دائماً في الوقت المناسب وبالشكل الذي يريده المحور ويحدده.
في تشرين ترسم البطولات، وتسقط الأوهام، وفي تشرين نثأر لشهدائنا ونرد على أعدائنا بوحدة ساحاتنا ومصائرنا، في تشرين يأخذ النصر أبعاداً مختلفة وأشكالاً أخرى، وتبقى نتائجه على المدى الطويل حاضرة ومرسخة في عقول من شهده وفي وجدان الأجيال من بعدهم.
هي إرادة المقاومة والاستمرار بنهجها، وطوفان الأقصى، كما حرب تشرين، يؤكد أن “إسرائيل” ستبقى عدواً والصراع معها مستمر حتى تحرير كل حبة تراب من أراضينا.
رغد خضور