فؤاد سلوم يترجم قلقه الوجودي في “أرق نائم في قلبي”
الشعر في دماء السوريين أقاموا أم اغتربوا، بقوا في بيوتهم وديارهم، أم غادروها لسبب قاهر، قالوه أم لم يقولوه، وهم حيث كانوا وألحت عليهم مشاعرهم، استلوه من أغماد أرواحهم، واشهروه.
هذا ما وجده الشاعر السوري الشاب فؤاد سلوم في دمه، فكان أن فاض به ما فاض، من شوق وخوف وحزن وحب وفرح، واعتمل فيه ما اعتمل من لوعة وفقد، حنين وتوق، ليجد نفسه ذاهبا إلى “سنمه” القديم، ومنه راح يحاول أن يقبس هدى ونار، وليصدر مجموعته الشعرية الأولى، “أرق نائم في قلبي” عن دار “شعلة الإبداع” حيث يقيم اليوم في الإمارات.
انفعالات فؤاد سلوم الشعرية، تحاول أن تجمع بين الأضداد، في مقارنات غير محسومة شعريا، وإن تكن المباشرة واحدة من السمات العامة لقصيدته، لكنها تأتي في سياقات انفعالية صادقة، يجمع فيها بين التفعيلة والنثر، على طريقة “نزار قباني” وهذا أمر مفهوم بالنسبة للشاب الذي لم يصبح في سن التكليف بعد، فهو من مواليد اللاذقية 2006، كان طفلا عندما دهمته الحرب مرة واحدة، فغيرته إلى الأبد، ومن الطبيعي لشاب صغير في عمره، أن يتأثر بنزار، يقول في ” سجن قضبانه الأضلاع”: “ابحثي عني فأنا الماء، أنا الماء في لوحة الدماء، ذبحونا جميعا دون استثناء، قدسوا كؤوس وجعنا الحمراء، وأنا تمردت عليهم، فقدست كأس السمراء”.
في حديثه للبعث ميديا يقول فؤاد، الذي يستعد لنيل شهادة الثانوية العامة، ” الظروف الشخصية وظروف البلاد أدت إلى خروجي من القطر، مما جعل لدي صدمة ورؤية مختلفة للحياة، لم تعد حياتي طفولية ومشاكلي شبابية كما المشكلات التي يعيشها الشباب في هذا السن، أصبحت وحيداً تماماً وأخذتُ حصتي كاملةً عن سنوات من الحزن والشوق والخوف”
يحيا فؤاد غربته كما لو أنه يحيا موته أيضا، فما حدث في وطنه، ترك في دواخله أثره الحاسم، في تكوينه النفسي، فصارت البلاد من أقوى الحاضرين في قصائده، يقول في ” المغتربون والوطن”: “على مقعد خشبي في بلاد لا أعرفها، انتظر أحدهم/ أذاكر وعودا ما نسيتها كشجرة تترقب من يسقيها، ما من أحد يعرفك في بلاد لا تعرف نفسك فيها”.
وعن المخزون الثقافي الذي جعله زوادته اليومية، يقول “لقد عشتُ طوال حياتي بين الكتب والروايات، المراسم والمسارح كنتُ قارئًا نهمًا لم أكن أستمتع بألعاب الأطفال التقليدية، لقد كنت أملكُ ألعابي الخاصة كتقمص الشخصيات وتغيير كل شيء اعتيادي، فكنت أرتدي الثياب بطرقٍ مختلفة، وأصنع اللعب من نفسي، في الحقيقةِ لم أكن أعرف أني سأكتبُ كتاباً، ذاك أن طموحي طوال الوقت كان أن أكون فناناً، ربما رساماً، ممثلاً، مغنياً، كنتُ مهوساً بالحرية، ولا زلت، وعنها ومنها، تعلمت المعنى الفعلي ربما للحياة”.
تحضر العاطفة الجياشة بقوة في قصائد المجموعة، وفيها خطابات عاطفية مسهبة، يعتمدها الشاعر، في محاولة منه لإيجاد إيقاعه الشعري الشخصي، لذا تحضر الأنثى بوصفها معادلا عاطفيا لكل ما حرم منه، يقول “تعالي إلى المنفى، فقد وجدت بحرا، وجدت مكانا فيه نسهر، تعالي فقد وجدت صخرا، ووجدت عشبا فوقه قمر”.
وفي جوابه عن لماذا اختار أن يطبع كتابا، في الوقت الذي ينشر به كبار الشعراء في العالم، قصائدهم إلكترونيا وعلى صفحات الفيس بوك، قال “أبولو” -كما يسمي نفسه-: ” كنتُ أستطيع أن أكتب مدوناتي جميعا على الفيس بوك أو صفحة إنترنت، ولكني اخترتُ أن يكون الكتاب ورقيا، و هذا الخيار ليس سهلاً لأن الكتاب الورقي هو الصدق الذي فقدناه في عالم الفيس بوك، فما أقوله في الكتاب هو أنا و ربما هم أيضاً، أقول الصدق بكل شفافية و أتركه لمن يود الاقتناء، هذا طبعا عدا عن علاقتي العاطفية مع الورق، ورونق الكتاب الورقي وحضوره الأكيد، في حال انهار عالم الانترنت”
تمّام بركات