المقاومة هي حركة تحرر وطني وفق القانون الدولي
د.عبد اللطيف عمران
تتفشّى اليوم في العالم (جائحة اللا إنسانية) مع جنوح الصهيو-أمريكية المتصاعد لانتهاك القانون الدولي الإنساني في هذه المنطقة من العالم، ما يستدعي مقاومة هذه الجائحة ليس وفقاً فقط لقواعد عمل منظمة الصحة العالمية، و”أطباء بلا حدود”، اللتين أدانتا بشكل واضح وعلني ما تمارسه سلطات الاحتلال الصهيونية ضد الفلسطينيين، بل أيضاً وفقاً للقانون الدولي العام. ولميثاق الأمم المتحدة، حيث تغدو المقاومة في بلدان هذه المنطقة حركة تحرر وطنية واجبة وضرورة إنسانية وقانونية أيضاً، علما أن “حركات التحرر الوطنية” غابت اليوم مصطلحاً وفعلاً، لكن إذا ما بقيت الولايات المتحدة بهذا الغشم والغطرسة فستشهد شعوب العالم تجلياً لهذه الحركات وأولها شعوب أوروبا، بعد أن أنجزت استقلالها بها الشعوب الأفرو آسيوية في القرن الماضي.
وزير حرب كيان الاحتلال الصهيوني «برّر» في الأسبوع الأول من الحرب على غزة مسوغات قطع الماء والغذاء والدواء والكهرباء عن الفلسطينيين بأنهم (حيوانات بشرية علينا أن نحاربها)… بعدها ردّ عليه بشكل غير مباشر وعلى جرائم قوات الاحتلال الصهيوني الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش: (بعدم جواز انتهاك القانون الدولي الإنساني الذي لا يجوز لأحد التعدّي عليه أو تجاوزه… فحتى الحروب لها قواعد،.. وهذا هو قانون المحكمة الجنائية الدولية). ثم هدد باستخدام المادة 99 من ميثاق الأمم ونفّذ، لكن الانتهاك والتعدي استمرّا بالفيتو الأمريكي.
وباعتبار وزير حرب الاحتلال الصهيوني صرّح على الملأ بأن الفلسطينيين «حيوانات بشرية»، وباعتبار حكومته تتصرف تصرّفاً لا إنسانياً، وعنصرياً، ووحشياً أيضاً، فقد صارت إعادة الاعتبار ضرورية إلى القرار الأممي رقم 3379 لعام 1975 الذي اعتبر: (الصهيونية هي شكل من أشكال التمييز العنصري، وعلى جميع دول العالم مقاومة الإيديولوجية الصهيونية التي تشكّل خطراً على الأمن والسلم العالميين)، لكن هذا القرار مع مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، تم للأسف إلغاؤه بتصويت الأغلبية. ومع عودة كيان الاحتلال إلى التمادي في سياسات العنصرية والاستيطان والاحتلال والقتل والتدمير يغدو استنهاض المقاومة واجباً يستمد شرعيته من القانون الدولي العام في ظل عدم قدرة النظام الرسمي، أو السلطات الوطنية على مجابهة قوات الاحتلال غير الشرعية، وذلك ليس في فلسطين وحدها، بل في بلدان المنطقة كلها التي تنتشر فيها قوات الاحتلال غير الشرعية، وإن كان بعضها يندرج بالمخاتلة والكذب تحت مسمّيات مثل قواعد عسكرية، قوات تحالف دولي… إلخ.
الرئيس بايدن وجوزيف بوريل يصرّحان اليوم كلاً على حِدة بـ(تحولات كبرى في الرأي العام العالمي) ضدّ كيان الاحتلال الصهيوني، وبـ(أن ممارساته في فلسطين أسوأ مما شهدته أوروبا من قوات الاحتلال النازية في الحرب العالمية الثانية)، ولمن لا يعلم عليه أن يعلم أن مقاومة الاحتلال الصهيوني، وغيره في المنطقة، تندرج في سياق حركات التحرر الوطني التي أقرّها القانون الدولي ولا سيما في القرار الأممي رقم 3103 لعام 1978 باعتبار أن كل شعوب العالم المحتلة أراضيها تاريخياً، لجأت إلى المقاومة المسلحة دفاعاً عن أرضها واستقلالها وسيادتها وحريتها، وهذا جانب مشرق في الإرث العالمي الإنساني، لذلك اعتبر هذا القرار: (كفاح الشعوب لتقرير مصيرها هو كفاح مشروع يتفق مع مبادىء القانون الدولي العام والإنساني)، كما اعتبر هذا القانون أن: (ليس لسلطات الاحتلال حق سيادي على الأراضي المحتلة) وهذا ينطبق على مصير قوات الاحتلال غير الشرعية والقواعد العسكرية في عدد من بلدان المنطقة، ما يجعل قوات المقاومة تندرج في سياق حركات التحرر الوطني المشروعة في القانون الدولي ما دامت القوات الأجنبية على الأراضي الوطنية غير شرعية لا قانونياً ولا أخلاقياً ولا إنسانياً ولا وطنياً. فلا يمكن كبح جماح المقاومة الشعبية في هذه البلدان التي عمدت قوات الاحتلال على إضعاف الدولة فيها، فمن المعروف تاريخياً أن المقاومة الشعبية تتصاعد رداً على محاولة إضعاف الدولة.
والمشكلة مع قوات الاحتلال الصهيوأمريكي في المنطقة اليوم هي ليست مشكلة احتلال جغرافي للأرض فقط، بل على أطماع احتلال القرار والإرادة، والمقدسات والمقدرات، وعلى النفوذ والابتزاز السياسي والاقتصادي والاجتماعي، مع تزوير للتاريخ وتزييف له وتحويره أسطورياً نحو حقوق ماضويّة ملفّقة، يردف ذلك كله ضحك على اللحى بسردية الدبلوماسية الروحية التلمودية والاتفاقات الأبراهامية على أشلاء الأطفال والأطباء والصحفيين والنساء والشيوخ تحت الأنقاض. فالذي يحارب – كما يقول – وحوشاً بشرية هو عنصري استيطاني إحلالي إبادي، لا تنحصر أطماعه بجغرافية الأرض، بل بتاريخها وبمحيطها وبمقدساتها وبإرادة شعوبها. هذا ما يجعل المقاومة حركة تحرر وطني، وحركة تقرير مصير يقرّها القانون الدولي العام، والإنساني أيضاً.
إن قوات الاحتلال الصهيوأمريكي وتحالفاتها في المنطقة مستحيل أن تكون حضارية أو إنسانية، وإذا كانت بعض الأنظمة الرسمية العربية تقف حيارى بين برزخ حرية الأوطان، ومقاومة الاحتلال الأبعد من الجغرافي، فعلينا أن نعرف جميعاً: إن الأرض العربية ليست لجيل أو جيلين، وكذلك المقدسات الإسلامية والمسيحية، ومعها الإرادة والسيادة والحقوق.