الانتخابات بين النشاط والنزاهة
كلمة البعث بقلم مدير عام دار البعث رئيس هيئة التحرير الدكتور عبد اللطيف عمران
ما يشهده الحزب اليوم يندرج إلى حد كبير في سياق رهانات واختبارات بعثية، خاصة وذاتية، ينبغي لها أن تزجّ بالحزب نفسه، في النهاية، في عملية إصلاحية مركبة تنطلق منه حقاً في خصوصية الظروف التي يعيشها الحزب ومعه المجتمع والدولة والمنطقة بشكل عام.
ولكنها لن تستقر إلا في قلب المجتمع السوري بكل شرائحه وفئاته. ومن هذا المنطلق، قد ترتدي مفاهيم العمل الحزبي ومصطلحاته، في أحيان كثيرة، معاني ومضامين جديدة، أي أنها قد تتخلّص مما كان قد علق بها من “حمولات” تقليدية بات التخلّص منها، أو نفض الغبار عنها، أو تجديد محتواها، ضرورة منهجية لفهم ومتابعة التحولات المرتقبة، ومن ثم السير بها نحو الوجهة الصحيحة والصائبة.
وهنا، وفي الاستحقاق الانتخابي الراهن على الأقل، قد يكون تنظيم وإجراء الانتخابات وفق المعايير الجديدة أهم بحد ذاته من مجرد الفوز الانتخابي، وقد يكون تأكيد الكوادر الحزبية لقدرتها على خوض تجربة الانتخابات أهم، بحد ذاته، من “النزاهة” الانتخابية بمعناها المجرد، مع ما لهذه النزاهة من أهمية ثابتة، على كافة المستويات التنظيمية والرفاقية والأخلاقية.. إنّ تقبّل نتائج الانتخابات، مهما كانت، سيكون التجربة الأهم، التي سنتعلم منها جميعاً، طالما أننا “متوافقون” (من التوافق)، ومجمعون (من الإجماع) على العمليات الإجرائية التي سبقت ورافقت عملية الانتخاب.. ولكنها لن تكون ثقافة “قبول”، كما سيحاول البعض أن يجر النقاش إليه، بل ثقافة الالتزام والتعاقد التي كرست روح الازدهار والانسجام والسلام والتحضّر في المجتمعات المعاصرة.
ولذلك، في هذا السياق، وبعد الإمعان في الكلمة التوجيهية التي تفضّل بها الأمين العام للحزب الرفيق الدكتور بشار الأسد في افتتاح دورة اجتماعات اللجنة المركزية يوم 16/12/2023، وبعد نقاش الرفاق أعضاء اللجنة للمقترحات الناظمة للعملية الانتخابية القادمة في مستوييها، والشروط العامة والخاصة وإقرارها مع قليل من التعديلات، بعد هذا يمكن النظر إلى أن الانتخابات القادمة تكتسب خصوصية غير معهودة في المسار الديمقراطي والانتخابي في القطر وليس في البعث وحده، سواء أكانت هذه الانتخابات في حزب البعث، أم في الإدارة المحلية، أم مجلس الشعب، أم المنظمات والنقابات والاتحادات.
وقد لا تكون هذه الخصوصية في صالح المرشحين البعثيين تماماً، لأسباب عديدة منها حرمان المرشح والناخب مما هو متعارف عليه في العملية الانتخابية سواء من: البرنامج الانتخابي – الدعاية الانتخابية – القوائم الانتخابية… إلخ، وحتى النشاط الانتخابي لرفاقنا يكاد يكون محفوفاً بالكتمان والقلق والشكوك، فالحملة الانتخابية للترشيح لاتزال مستورة، في وقت يجب أن نقتنع فيه جميعاً البعثيون وغيرهم بأن النشاط الانتخابي ضرورة وواجب، بل من حق المرشح التعبير عن نفسه بحرية وقوة، وكذلك القيام بالنشاط الانتخابي المؤهل للنجاح، وهذا ما يعطي البعث والبعثيين حضوراً مرموقاً ومنشوداً إذ لا خفر ولا حياء في هذا النشاط.
وبالمختصر فالنشاط الانتخابي حق مشروع، لكن التزوير في الانتخابات أمر ممنوع. ولهذا سيقبل رفاقنا على الترشّح والانتخاب بإرادة ووعي تنظيميين، وبإدراك واعدٍ وواعٍ لتأثير خيارهم على مستقبل العمل في الحزب والدولة.
وإذا كان من بين خصوصية العملية الانتخابية القادمة في الحزب ما ذُكر أعلاه، مما هو معهود في الانتخابات، لا يُعدّ في مصلحة المرشحين البعثيين، فهناك خصوصيات أخرى إيجابية وجديدة في هذه العملية منها ما صدر عن قيادة الحزب من تعاميم وتوجهات ناظمة تندرج في سياق التوعية الانتخابية الكفيلة بتعزيز الممارسة الديمقراطية، ولا ضير إن قلنا الديمقراطية والمركزية الديمقراطية في الأحزاب الثورية، فحزبنا في الأساس ليس حزباً انتخابياً محضاً، وهذا ما يكفل تحقيق معيارية موضوعية ضمن (الشروط الخاصة) المقرّة والتي صدرت بحوار ومناقشة ديمقراطية واعية ومسؤولة عن الرفاق بين أخذ ورد في اجتماع اللجنة المركزية المذكور أعلاه.
ومن هذه الخصوصيات أيضاً إقرار مقترح (اللجنة العليا للإشراف على الانتخابات) وكذلك اللجان الفرعية، وقد أخذ توصيفها ومهامها نصف عدد الأوراق المقدمة لإقرار المقترحات الناظمة للترشيح والانتخاب، هذه اللجنة غير معهودة أو مسبوقة في تاريخ الانتخابات في البعث، بل يوجد شبيهها في انتخابات الاستحقاقات الدستورية الديمقراطية الثلاثة، ما يشير إلى التوجه نحو (مأسسة العمل الحزبي وطنياً).
لذلك وجدنا تساؤلات عديدة من رفاقنا حول غلبة الاختصاص القانوني على أعضائها – أربعة قضاة – وكأننا أمام استعداد للمساءلة والمحاسبة وللتقاضي.
ولسؤال النزاهة الصارم والمرتقب، وها هي اللجنة اليوم تنتقل بالحوار والتقصي والتدقيق من فرع إلى آخر في المحافظات لتنهض بوظيفتها الضبطية على أكمل وجه. وهذا شيء مقبول من رفاقنا ويبدو مرغوباً، كما أنه يحمل إشارة إلى توجه جديد في العمل الحزبي يواكب التوجهات القادمة في مسار عمل سائر المؤسسات الأخرى في القطر. فنحن اليوم أمام انتخابات (معيارية) لن تقتصر على الحزب وحده، بل قد تطال المنظمات والنقابات والاتحادات وغيرها من الاستحقاقات الديمقراطية، وسينجح السوريون في هذا، وفي بناء مؤسساتهم ووطنهم.
ونحن نرى اليوم في نشاط رفاقنا الانتخابي امتداداً مهماً لأسئلة غير محصورة بالمسألة التنظيمية وحدها، وهي عديدة ومتنوعة وضرورية أيضاً، ما يؤكد أن حزبنا ليس حزباً انتخابياً صِرفاً، إذ نلحظ حضوراً لأفكار عديدة تواكب النشاط الانتخابي وهي مهمة في مستقبل العمل الحزبي والوطني أيضاً على كافة المستويات، ما يعزز حضور الحزب المؤسساتي والاجتماعي والاستراتيجي بشكل عام، وبما يليق بتاريخه النضالي وبأدبياته القابلة بطواعية – والحال على ما هي عليه – للتجدد على مستويي النظرية والفعل.