ضرورة آليات التنفيذ في معرض التنظير
د. وائل بركات:
لا شك في أن الأفكار التي عرضها الرفيق الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي الدكتور بشار الأسد في لقائه النوعي مع أكاديميين ومثقفين بعثيين هي موضوعات نقاش جوهري لهذه المرحلة الوطنية التي تحتاج تغييراً نوعياً في السياسات المتبعة، لا سيما وأن المشاركة الحزبية الواسعة في انتخابات قيادات جديدة تكون قادرة على إحداث هذا التغيير تجري الآن.
والقضية هنا ليست في تغيير الأسماء أو القيادات، وإنما في تغيير الآليات التي تعمل بها. هذه الآليات رأى فيها الرفيق الأمين العام جوهر الحديث وبيت القصيد. فالآليات تغير الثقافة وليست دائما الثقافة هي التي تغير الآليات. والآليات المتطورة الغنية ترفع المستوى الفكري للأفراد، وقد تقلب الآليات المتبعة اتجاهات العلاقات القائمة، والمبنية عموماً على تحديدها من الأعلى إلى الأدنى لتصبح علاقات تشاركية.
ويحتاج إنتاج هذه الآليات إلى رؤية فكرية واضحة من قبل القيادة الحزبية العليا، قائمة على حوار محدد المعالم والأهداف، يكفل الخروج من الأزمات التي يعانيها السوريون حالياً بعد جراحات الحرب وويلاتها. وبهذا الصدد أكد الرفيق الأمين العام أننا قادرون على تجاوز هذه الصعوبات حين نؤمن بأننا قادرون على فعل ذلك مهما كانت ضغوطات الخارج صعبة. إننا بإرادتنا وتخطيطنا ومواجهتنا نستطيع حل كثير من مشكلاتنا وأزماتنا.
كما يحتاج إنتاج هذه الآليات أيضاً إلى حوار جاد ومعمق في المستويات الحزبية المختلفة التي تتحمل مسؤولية رسم هذه الآليات، لكون الحزب الحاكم موجهاً للسياسات الحكومية ومسؤولاً عن وضع الخطط والبرامج الوطنية، من جهة، ومراقبة تطبيقها على المستوى التنفيذي من جهة أخرى. وإذا كان بمقدورنا أن نطرح أفكاراً جيدة -يضيف الرفيق الأمين العام- فإننا لا نزال بحاجة إلى ابتكار آليات عمل جيدة تحول تلك الأفكار إلى عمل فعلي. لذلك ما نحتاجه الآن هو إيجاد الآليات التي تخلق دينامية سريعة داخل الحزب والدولة بمختلف جوانب عملهما، وتترسخ كدليل علم للمرحلة القادمة. وهذا ما يبني عليه الرفيق الأمين العام بعد الانتخابات.
وكلما كانت هذه الآليات ناضجة وشاملة واستطاعت أن تعبر وتستوعب رأي الأكثرية الحزبية ستتمكن من أن تكون البوصلة التي توجه عمل المؤسسات والأفراد معاً. لهذا لن تكون محاسبة الجهات الحكومية عن رسم السياسات، بل عن تطبيق المهام التي تكلف بها وفق السياسات التي يرسمها الحزب.
وأشار الرفيق الأمين العام إلى أن الحزب لم يردم الفجوات التي اعترت مسيرة بناء الدولة في سورية بالفكر والتخطيط، وإنما اكتفى بممارسات آنية وإجراءات علاجية مرحلية تخصّ وضعاً معيناً في حينه ويتخذ صفة قرارات صادرة عن قيادة الحزب. بينما الأجدر هو أن تدرس هذه الفجوات ويوضع لها تصورات وآليات لمعالجتها تحمل صفة الرؤية الشاملة لتجنب العودة إلى أخطاء مماثلة من جديد.
ورأى أيضاً أن السمعة الحسنة والسجل النظيف رغم ضرورتهما لا تكفيان القيادي لممارسة عمله بصورة منتجة ومفيدة. فالأشخاص القياديون الذين لا يملكون رؤية واضحة وآليات عمل جيدة فإنهم لن يصلوا إلى النجاح في مهمتهم، بل إنهم سيعطلون عمل المواقع التي يشغلونها.
لذلك، سيكون من المعول على الحزب بقياداته الجديدة القادمة أن يحدد رؤاه ومنظوماته وآلياته القائمة على مراجعة نقدية شجاعة للواقع الراهن، تشخّص أخطاءه وتواجهها، ترسم سبل معالجتها وتجاوزها، فتقدم مشروعات حلول وآليات مناسبة لمتطلبات المرحلة القادمة وتحدياتها التي تبدأ بالوضع المعيشي الصعب وبالأزمات اليومية الكثيرة؛ وتمر بالخيارات المتبناة في إدارة المواقع الحكومية بمختلف درجاتها التي يجب أن تخضع لآليات مختلفة عما يقال عنها حالياً من أنها اختيارات تقوم على المحسوبية والواسطة وطرق أخرى مرفوضة؛ وتنتهي بإعادة النظر في قضايا استراتيجية مهمة كمدى الارتباط بين الوطني والقومي، وعلاقتنا مع المحيط الجغرافي القريب والبعيد، وموقفنا من الأفكار السياسية والاقتصادية العالمية الراهنة. وهذه مهمة حزبية فكرية بالدرجة الأولى وبامتياز، نرجو أن تقاد بكفاءة واقتدار.