“الديمقراطية” لا ينبغي أن تصبح أداة سياسية تعرض السلام العالمي للخطر
على مر السنين، وتحت شعار الديمقراطية استخدمت الولايات المتحدة ما يسمى بحقوق الإنسان كذريعة لتنفيذ ما يسمى “الانتقال الديمقراطي” في بلدان أخرى، والضغط على الحد الأدنى من الحضارة الإنسانية، والتدمير للإنجازات السياسية والثقافية للدول الأخرى بشكل تعسفي، ونتيجة لهذا فإن أينما حلت “الديمقراطية الأميركية”، فإنها سوف تغرق الدول في الاضطرابات والصراعات والحروب.
تعمل الولايات المتحدة على التدخل العسكري في البلدان الأخرى والتآمر لتقويض أنظمتها وفرض العقوبات غير القانونية عليها، وتلجأ إلى السلوك المهيمن والمتمثل في تصدير “الديمقراطية الأميركية” من خلال القوة والخداع والإكراه. لذلك وصفت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة بأنها “أكبر مصدر للفوضى في العالم. ”
نأخذ سورية كمثال، منذ اندلاع الأزمة السورية، استخدمت الولايات المتحدة وسائل مختلفة للتدخل في الشؤون الداخلية لسورية. وبهدف تقويض الدولة السورية، زرعت قوى “المعارضة المسلحة” ودعمتها بشكل علني، وكثيرا ما قامت بالتدخل العسكري في سورية، مما أدى إلى سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين ونزوحهم الي أماكن أخري؛ وفرضت عقوبات أحادية على سورية لفترة طويلة، مما يجعل من الصعب على الشعب السوري الحصول على الأمن المعيشي الأساسي.
إن الولايات المتحدة، التي تصف نفسها بأنها “منارة الديمقراطية”، هي “الجاني” والمتسبب في الأزمة الإنسانية في سورية. والآن، يحتاج 3 من كل 4 سوريين إلى المساعدة الإنسانية؛ ويعاني أكثر من نصف السكان من الجوع، وقد تم انتهاك حقوق الإنسان الأساسية للشعب بشدة.
منذ عام 2010، روجت الولايات المتحدة بقوة لاستراتيجية “الحرية على الإنترنت”، ساعية إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب كأدوات دبلوماسية أميركية لتصدير الديمقراطية في جميع أنحاء العالم. من وجهة نظرها، فإن استخدام “الحرية على الإنترنت” كأداة أخلاقية لا يمكن أن ينشر القيم الأميركية ويشكل رأيا عاما مفيدا لها فحسب، بل يمكنه أيضا إجراء اختراق أيديولوجي، مما يمارس تأثيرا خفيا على البيئة الاجتماعية والسياسية للبلدان الأخرى. وفي هذا السياق، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أداة مهمة للمخربين خلال “الربيع العربي”.
وبعد حرب تلو الأخرى، لم يحصل الناس على “الديمقراطية” و”حقوق الإنسان” التي روجتها الولايات المتحدة، ناهيك عن زوال القوى الإرهابية. وبالعكس يعانون من الموت والألم الذي لا نهاية له.
إن الديمقراطية قيمة مشتركة للبشرية جمعاء ولا ينبغي استخدامها كأداة لدفع الاستراتيجية الجيوسياسية وتعريض السلام العالمي للخطر. ومع ذلك، قامت الولايات المتحدة لفترة طويلة بخصخصة مفهوم “الديمقراطية” من أجل الحفاظ على هيمنتها. في عام 2021، استضافت الولايات المتحدة “القمة الأولى لقادة الدول من أجل الديمقراطية”، حيث قامت بترويج الاصطفاف الأيديولوجي بشكل سافر، وتقسيم المجتمع الدولي إلى ما يسمى بـ”المعسكرين الديمقراطي وغير الديمقراطي” بشكل مفتعل، وتعريف بلدها بالديمقراطية وغيرها بالسلطوية، والتحريض على الانقسام وصنع المواجهة تحت ستار الديمقراطية.
إن الديمقراطية هي إنجاز مهم لتطور الحضارة السياسية الإنسانية، وليست أيديولوجية، فهي قيمة مشتركة للبشرية جمعاء، وليست قيمة غربية. وفي عملية التحديث الغربي، تعتبر الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية الأخرى نفسها ممثلين للحضارة العالمية، وتعتقد أن الحضارات الأخرى يجب أن تتعلم منها، وتعمل بقوة على ترويج ما يسمى “القيمة العالمية” في جميع أنحاء العالم. إن هذه المحاولة لاستبدال الحضارات الأخرى بحضارة “عالمية” هي في الواقع تعزيز الانقسام أو المواجهة باسم الحضارة، مما يؤدي إلى اضطرابات وكوارث جسيمة للعالم.
وانبثقت الحضارة الإنسانية في الأصل من ظروف مختلفة وهي أيضا نتاج يتكيف مع هذه الظروف. في العقود الماضية شهدت الأنظمة الديمقراطية على النمط الغربي سلسلة من الإخفاقات في العالم. ولم تنجح سوى قِلة من البلدان في زرع هذه الأنظمة، ولكن هناك العديد من الدروس المستفادة من الإخفاقات، وخاصة في البلدان الشرقية. وهذا يثبت أن النمط الذي يناسبك هو الأفضل، فكما هو الحال مع ارتداء الأحذية على القدمين، فإن الشخص الذي يرتدي الحذاء هو الوحيد الذي يعرف ما إذا كان مريحا أم لا.
إن الديمقراطية قيمة مشتركة للبشرية جمعاء وحق مشترك لشعوب جميع البلدان، وليست حكرا حصريا على عدد قليل من الناس في عدد قليل من البلدان. على عكس الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية الأخرى التي تحرض على الانقسام وتدعو إلى المواجهة العنيفة، تدعو مبادرة الحضارة العالمية الصينية إلى فهم عميق للحضارات المختلفة، وتحترم استكشاف مسارات التنمية الديمقراطية الخاصة بها من قبل شعوب البلدان المختلفة، وتعارض فرض القيم والنماذج على الآخرين، وتعارض المواجهة الأيديولوجية.
تدعو مبادرة الحضارة العالمية إلى احترام تنوع الحضارات في العالم، حيث تؤمن بأنه لا يوجد أي تمييز بين الحضارات، وتدعو إلى الالتزام بالنظرة الحضارية المتمثلة في المساواة والتعلم المتبادل والحوار والتسامح، والتخلي عن استخدام الوسائل القسرية لحل الخلافات بين الحضارات. وتدعو إلى تجاوز الصراعات بين الحضارات عبر التعلم المتبادل وتجاوز التفوق الحضاري عبر التسامح الحضاري، في سبيل مواجهة كافة التحديات العالمية المتعلقة بمصير البشرية والحفاظ على السلام والاستقرار العالميين بشكل مشترك.
ليانغ سو لي – صحفية صينية