إصلاحات الرئيس الأسد.. من الإطار المحلي إلى السياقات العالمية
بسام هاشم
يمكن وضع الحوار الفكري والسياسي الخاص، الذي أجراه وزير الخارجية الأبخازي إينال أردزينبا مع السيد الرئيس بشار الأسد، كفاتحة لإدماج سورية في منظومة العلاقات الدولية الجديدة القائمة على التعددية القطبية، وكقرار أُخرجَ إلى العلن في مرحلة يمكن وصفها بأنها حساسة ودقيقة، ولكنها واعدة وانعطافية؛ فإن وضعنا مشروع الرئيس الأسد في تغيير منظومة العلاقات بين حزب البعث والدولة والمجتمع، في إطار الشق الداخلي من عملية الإصلاح القائمة حالياً، فإن الرؤية التي عرضها سيادته حول ما تدفعه الدول والشعوب في مواجهة الحروب والضغوط الغربية لقاء الدفاع عن هويتها الوطنية وكرامتها، ودور “الأغلبية العالمية” في مواجهة الغرب، تشكل (الرؤية) الإطار السياسي – ولنقل الإيديولوجي – الذي يستكمل عملية الإصلاح في شقها الخارجي، والذي ستتحرك فيه سياسة سورية وعلاقاتها الخارجية مع العالم الجديد، خلال المرحلة القادمة.
ورغم أن “التوجه شرقاً” سياسة سورية، رسمية ومعلنة، منذ بدء الحرب الأطلسية عام 2011، إلا أن الرئيس الأسد يدرك تماماً أن الغرب، الموشك على الانحلال والتداعي، يحلم بتأبيد هيمنته على العالم، ولذلك، فهو يعمل اليوم على اختراق الدول والشعوب من الداخل، مستغلاً ومستثمراً في الأزمات والحروب والصراعات التي يختلقها؛ وأن هذه الحروب لم تعد تستهدف إحكام السيطرة السياسية والاقتصادية وحسب، بل وترمي إلى تفتيت المجتمعات وتقويضها ومحو هويتها الوطنية والثقافية والقيمية، وأنه، في خضم هذه المواجهة القاسية، تجد الشعوب نفسها تدفع أثماناً باهظة من أمنها واستقرارها وطموحاتها ورفاهية عيشها.. لا لشيء إلا لأنها ترفض الانقياد والاستتباع، وتعرف كيف تقول “لا”.. ولا لشيء إلا لأن الكرامة البشرية لصيقة بنظرة الشعوب المتحضرة إلى نفسها، وأن هذه الكرامة مفهوم لا يمكن أن تعيش من دونه الثقافات الحية والمتجذرة والضاربة في أعماق الحضارة الإنسانية، فالكرامة صفة للرقي البشري، والشعور بالكرامة والاستعداد للدفاع عنها صفة ملازمة للشعوب السيّدة، التي لا يمكن أن ترى نفسها – أو تجدها – إلا في موقع الفعل لا الانفعال، والمشاركة لا التبعية.
وكعادته دوماً، يشف تفكير الرئيس الأسد عن شجاعة فكرية وسياسية لا تتهيب السير عكس المقولات السائدة، طالما أن ذلك يخدم الوصول إلى الحقائق التاريخية والموضوعية، والتي على أساسها يتعين علينا أن نرسم مصالحنا الوطنية ومستقبل بلدنا، فـ “نحن والغرب في وضع المواجهة منذ خمسة قرون”.. و”من السذاجة أن تفسر أن الإرهابيين هم عصابات محلية خارجة عن القانون.. لا، إنهم شبكة عالمية، وهم موجودون في أوروبا وروسيا وإندونيسيا وفي مناطق أخرى من العالم”.. فـ “الإرهاب الحالي متجانس إيديولوجياً”.. فلأول مرة يمكن، على هذا الأساس، إزالة الالتباس الذي يجعل من “داعش” وعصابات “جبهة النصرة” التكفيرية في إدلب والبادية، ومجموعات “قسد” الإجرامية في منطقة الجزيرة السورية، و”النازيين الجدد، في أوكرانيا، وجيش الحرب الإسرائيلي في غزة والضفة الفلسطينية، نسيجاً متعارضاً، بل هو إرهاب متخادم ومتماسك وممتد يعمل بأمرة مشغل وحيد، ولخدمة الغرض نفسه، أي إيجاد المبررات والذرائع لاستدعاء الوجود الأجنبي، والتحرك كاستطالات غربية، أمريكية وأوروبية (عملاء ومجرمو حرب صراحة!!) للحفاظ على واقع الهيمنة.. كلهم صناعة غربية، و”فيلق أجنبي” من الذاكرة الاستعمارية.. وكلهم مرتزقة للدولار الأمريكي، وإن اختلفت أديانهم أو بلدانهم الأصلية، وحتى لو تسابقوا لإعلان العداء للغرب ولأمريكا!!
ولكن الرئيس الأسد يلمس كيف يتهاوى تأثير الولايات المتحدة، وكيف تفقد هيبتها ودورها عندما تتحول من دولة “عظمى” قادرة على حل النزاعات وإرساء الأمن والاستقرار، إلى قوة عمياء هدامة “تحوّل أي نزاع إلى مرض مزمن خطر”، وحروب لا نهاية لها.. دولة مزعومة “ديموقراطية” ولكنها لا تطيق أن يقال لها “لا”؛ وفي مثل هذا التحول، وفي الوقفة التي تلتزمها دول “الأغلبية العالمية”، تلمس كيف يتم “تصحيح” منحى التاريخ حالياً.. وهو التصحيح ذاته الذي يندرج كسياق خارجي، وبيئة عالمية، للمشروع الإصلاحي للرئيس الأسد.