الفستق الحلبي… ذهب سورية البنفسجي
البعث ميديا – أماني فروج
“معرة النعمان مدينة كبيرة حسنة أكثر شجرها التين والفستق، ومنها يُحمل إلى دمشق ومصر” هذا ما كتبه الرحالة ابن بطولة سنة (725) هجرية الموافق 1325 ميلادي اشتهار مدينة معرة النعمان بالفستق الحلبي وتراها برهان حقيقي لاعتبار شجرة الفستق الحلبي من الأشجار القديمة والمتجذرة بأعماق الحضارة السورية منذ زمن مملكة ماري والحضارات الأخرى..
ومع تقدم الأيام وصولاً ليومنا هذا شكلت زراعة الفستق الحلبي مصدر دخل وطني أساسي تقطف أطنان من الأشجار السورية في كل عام، وتوزّع جزء منها لتغطية احتياجات السوق المحلي وتصدّر الكميات الباقية وعلى اعتبار أنه أجود الأنواع في العالم فكانت ومازالت سورية أحد أبرز مصدريه إلى الخارج.
حتى حبات الفستق الحلبي ذات الطعم الفريد الذي يميزها عن أبناء فصيلتها ذات الفلقتين لم تنج من غبار الحرب الآثمة وعانت حقولها ما عانته من ويلاتها التي حرمت المزارعين من ارتياد أراضيهم الزراعية وجبرتهم على هجرانها كما بيوتهم وقراهم والاعتناء بتلك الأشجار التي تتطلب الكثير من العناية والاهتمام بحرثتها عدة مرات سنوياً ورشها بالمبيدات حتّى تبلغ 8 أعوام، وهو الوقت الذي تبدأ فيه أشجار الفستق بطرح المحصول وتنتج أفضل الثمار ليعودوا إليها بعد سنوات عجاف جعلت منها أخشاب هرمة ما اضطرهم لاقتلاع بعضها ومحاولة إحياء البعض الآخر ليسدوا رمق أيامهم واحتياجات الأسوق.
بين القمر والفستق.. أصوات تكسر صمت الليل
تتشقق ثمرة الفستق أثناء الأيام الحارة بفعل ضوء القمر، فعند وصول الليالي الصيفية إلى أقصى رطوبتها، وبعد تشبّع الثمرة بالحرارة لتعرضها أثناء النهار للحرّ الشديد، وأثناء احتكاك الرطب البارد لجوف اللب الحار للفستق ومع جاذبية القمر تحدث هذه الانفجارات فتتشقق القشرة الصلبة وتفتح الفستقة فمها ليظهر اللب الذي اكتنز من حرارة الشمس فمتى ظهر القمر تأخذ الأشجار بإصدار تلك الأصوات التي تفجر صمت الليل.
ويبشر لون حبات الفستق بمستوى نضجها فما لبث واكتست قشرتها الخارجية باللون الوردي الغامق لتنذر أصحاب الحقول بأنها باتت شبه ناضجة وقابلة للقطاف خلال أيام بينما تحتاج ذوات اللون الصفراء إلى وقت أطول.
حلب .. موطناً وفنون في التقديم
لونت مدينة حلب الفستق الحلبي بصبغة جمالها ونكهته بعبق اسمها الذي رافقه على مستوى العالم وذاعت تسميته هذه في مختلف الأرجاء لاسيما وأنها موطن زراعته الأساسي في سورية والأشهر على الإطلاق عالمياً فهي تنتج أجود الاصناف وأغلاها ثمناً “العاشوري” وهكذا نُسبت هذه الثمرة لمدينة حلب وأصبحت علامة فارقة لها، ومنها انتقلت هذه الزراعة إلى المحافظات الأخرى.
وبموقعها الاستراتيجي، تنعم الشهباء بمناخ ملائم لزراعة هذه الشجرة من حيث كمية الامطار السنوية اللازمة وتوزيعها على ثلاث فصول “الشتاء والربيع والخريف” ليكلل فصل الصيف نتاج ما سبق ويساعد على نضج الثمار وامتلائها وتلونها وتشققها ويعتبر شهر آب أفضل الأشهر في العام لقطافها.
وليس المناخ فقط السبب الوحيد والمباشر لازدهار هذه الزراعة في حلب على وجه الخصوص بل زادت نوعية التربة في هذه المنطقة الأكثر ملائمة لزراعة شجرة الفستق زخم الإنتاج فهي تربة مفككة ذات أصل كلسي.
ولعب المجتمع الأهلي في حلب كباقي المحافظات السورية دوراً فعالاً في استثمار هذا الذهب الخام في تجارة الفستق والتسويق له وصدرت للعالم بشكله الأساسي وأدخلته في العديد من الصناعات كالمكسرات والموالح وباتت تعتمد في إعداد الحلويات المختلفة بشكل أساسي على ثمار الفستق الحلبي.
وبعدما انتشر زراعته بشكل كبير في منطقة حلب وصولاً إلى مورك بمحافظة حماه مروراً بمعظم المناطق كإدلب ومعرة النعمان وخان شيخون والتمانعة وسكيك وانتقلت إلى دمشق وريفها ومحافظة السويداء وغيرها كما تنتشر زراعته في آسيا الوسطى وإيران، وآسيا الصغرى.
العام الحالي 2024… 77 ألف طن وحماة بالمركز الأول
بزيادة حوالي 32 ألف طن عن الموسم الماضي، قدر مكتب الفستق الحلبي في وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي الإنتاج الأولي لمحصول الفستق الحلبي للموسم الحالي بحوالي 77 ألف طن أن تقديرات الإنتاج في المناطق الآمنة تبلغ 33 ألف طن حيث تأتي محافظة حماة بالمركز الأول بالإنتاج بكمية 17826 طناً، تليها إدلب بكمية 11403 أطنان، وحمص 756 طناً، والسويداء 379 طناً، والغاب 143 طناً، ودرعا 21 طناً إلا أن أعلى إنتاج إجمالي هو في محافظة حلب بكمية 46508 أطنان في جميع المناطق الآمنة وغير الآمنة.
وصل عدد الأشجار الكلي في سورية يبلغ نحو 9.7 ملايين شجرة، منها 7.7 ملايين في مرحلة الإثماروتبلغ المساحة الإجمالية المزروعة بالفستق الحلبي 60500 هكتار، موزعة على 6 محافظات، منها 23516 هكتاراً في حلب، و21363 هكتاراً في حماة، و981 هكتاراً في حمص، و3031 هكتاراً في ريف دمشق، و676 هكتاراً في السويداء، في حين تتوزع باقي المساحات في الحسكة والرقة والغاب ودير الزور.
جهود حكومية قد تكون لا تكفي
تعاني هذه الزراعة كغيرها من مفاصل هذا القطاع من الكثير من المشكلات والعوائق التي تنتظر حلولاً جذرية إلا أن وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي مازالت تعمل على تنفيذ مشروع الإدارة المتكاملة لإنتاج وتسويق الفستق الحلبي بناء على مخرجات ملتقى تطوير القطاع الزراعي منذ عام 2022 حتى 2030عام.
يجري العمل ضمن مشروع الإدارة المتكاملة على إنجاز الخارطة البيئية وقاعدة البيانات الإنتاجية والتسويقية للفستق الحلبي، ثم إعداد خارطة مناطق ملائمة أولية للمناطق التي تتضمن أراضي زراعية شاغرة يمكن التوسع بها في زراعة هذه الشجرة بناءً على الاحتياجات البيئية، كذلك إعداد خطة إنتاج الغراس بناء على تقييم الأصناف المزروعة حالياً وتحديد الأصناف الواجب إكثارها واختيار أفضل 50 ألف هكتار للتوسع في زراعة الفستق الحلبي، حسب نتائج الخارطة البيئية وتحديد احتياجات الغراس والأصناف المطلوبة.
مهرجان.. للفستق الحلبي
تحتفي سورية بهذه الزراعة وتصنفها ضمن قوائم تراثها اللامادي وتخصص لهذا الموسم من كل عام مهرجان قطاف الفستق الحلبي الذي يوثيق عمليات قطاف وجمع المحصول تقيمه وزارة الثقافة والأمانة السورية العامة للتنمية ومجالس المدن في المحافظات ويجول كل عام واحدة من محافظات زراعته ويأخذ جانباً منه معرض تصوير ضوئي توثيقي تعريفي لأشجار الفستق الحلبي وبعض الصناعات التي يدخل فيها ومنتجات المرأة الريفية، الآلات الزراعية لمستلزمات الإنتاج.