(طريقة التفكير الحالية!) ما العمل؟
د. عبد اللطيف عمران
انطوت كلمة القائد الأسد في افتتاح الدور التشريعي الرابع لمجلس الشعب على متغيرات وتحولات في الخطاب /النص/ تحمل دعوة الى فهم مغاير وجديد للماضي والحاضر، وكان حديث سيادته عن اتجاهات هذه المتغيرات والتحولات في الحياة العامة مواكباً لتغييرات كثيفة وواضحة في الشكل وفي أساليب التعبير عن الظاهرة أو المؤسسة المستهدفة بالحديث، حيث حفل نص الكلمة بالتكثيف، وبتحولات في البنية التعبيرية للجملة من خلال متغيرات في العلاقة بين المسند والمسند إليه جعلت القارئ بحاجة الى إعادة قراءة لأنه وجد نفسه أمام نص /متعوب عليه/ في المبنى وفي المعنى، وهذا ما يظهر من الجملة الأولى ومن توظيف اللام التعليلية الجارّة “أهنئكم بنيلكم ثقة ناخبيكم للتشرف بخدمتهم”، والأمر نفسه تقريباً في كل جملة حملت دعوة إلى تغيير في أسلوب التفكير مرادف إلى تغيير في التعبير: “بطريقة التفكير الحالية، أقول إن الأمل ضعيف في تحقيق الكثير لبلدنا” بعد أن سبّق وذكر أن “تغيير الأوضاع ليس مستحيلاً بشرط: تغيير مقارباتنا للمواضيع المطروحة – وتفعيل مؤسساتنا في عملها” وهنا يحضر بقوة أثر النزعة العقلية، والمنطق الرياضي في السردية الهادفة إلى التوضيح والإقناع اللذين يحتاج معهما القارئ -والحالة هذه- إلى إعادة القراءة، فمن لا يحسن القراءة لن يحسن التنفيذ، إضافة إلى أن القارئ يقف أمام عبارات يظنها تقريرية ليكتشف أنها في سياق جديد تنحو فيه لتكون حكماً وأمثالاً وأعرافاً لشعب حي: “تغيير السياسات أداة لتحقيق الأهداف -الحصانة مجرد وقاية مما يعيق المهام وليست امتيازاً- غياب السيادة لا يعني سقوط الوطنية -عصور من الوهم أسقطتها ساعات من البطولة- من شروط الإبداع التفكير خارج الصندوق”، فهذه البنى التعبيرية بجمالية تلقيها نادراً ما يحفل بها الخطاب السياسي أو التنفيذي، لأنها بمثابة أناشيد وجدانية مؤثرة عند أصحاب الذوق والتلقي الرفيع.
ولذلك سنجد أنفسنا في قادم الأيام والسنين أمام ضرورة استحضار هذه الكلمة واستعادة استلهامها وتفحص وتقييم قدرة المؤسسات والأشخاص على النهوض بتحقيق مراميها، على نحو ما وجد رفاقنا البعثيون بعد أكثر من عشر سنين حاجة وفائدة في إعادة قراءة مقابلة الرفيق بشار الأسد مع صحيفة البعث في تموز 2013… فهذا كلام للتاريخ في عالم ليس فيه للتاريخ راوٍ واحد، ولا قارئ واحد، ولا سردية قاطعة. في هذا السياق كانت رؤية القائد الأسد في حديثه عن التفاعل مع الماضي والحاضر للوصول إلى المستقبل المنشود. إنه فعل القراءة الذي لا يُبنى على المجهول ولا يعود إلى الغائب.
في هذا الصدد نقف الآن أمام عدة قراءات لنص الكلمة فنجد تلاقياً أحياناً، وتباعداً مسوّغاً أحياناً أخرى بين النص والفهم الذي ينجزه القارئ الذي يتفاعل مع تأثيرات النص المتنوعة والمتعددة، حيث تتوالد لديه رغبة في الانفلات من التصنيفات التقليدية المتراكمة بالعقل الجمعي، رغبة نابعة من القدرة على التفاعل مع التجاوبات المثارة عند كل قارئ أو كاتب، بسبب طول زمن سيطرة المعايير التقليدية، واحتباس دعوات كامنة للتفكير الجديد لم يكتب لها سابقاً أن ترى النور، كقول سيادته: “تأجيل النقاش بهذه الأسئلة الصعبة أصبح غير مقبول، والحوار فيها أصبح ضرورة…” ومفردة “الأسئلة الصعبة” كمضمون اقترنت بنص يحتفل بخطاب الاستفهام والتساؤل مرات عديدة، ما يعني أن بنية التعبير كانت ملأى بثقافة السؤال، والثقافة التي تحتفي بالسؤال، ولا تخشاه هي الثقافة الجديرة بالرهان عليها وعلى مثاقفيها لتحقيق التنمية في البنى الفوقية وفي البنى التحتية لتفعيل الدور والإدماج في العمل لإنجاز التنمية البشرية والاجتماعية.
لقد كانت الدعوة إلى “نظام داخلي” لمجلس الشعب، ولغيره من المؤسسات مقترنة بالحاجة الماسة، الفاعلة والمجدية، لإعادة قراءة نص الكلمة التي هي بمثابة “النظام الداخلي” لمرحلة قادمة تتماشى مع التطوير المنشود والقائم في باقي المؤسسات، قراءة بحثية استراتيجية تُستلهم فيها نظرية القراءة و”فعل القراءة” لـ إيزر، و”بصدد القرّاء” لـ سلاتوف، ولتفاعل غير تقليدي مع نص كلمة غير تقليدي أيضاً مثقل بفكر جديد وأسلوب جديد.
لا شك قد لا تكون (طريقة التفكير الحالية) محققة للآمال المنشودة من صاحب النص، ومن “القراءة” رفيعة المستوى له، ومن الذين لم يعودوا منتظرين (الوعودَ الممنوعَ تقديمُ مزيد منها)، بل لإنجاز العمل بطريقة تفكير جديدة تقف بالسؤال جدّياً هذه المرة أمام: ما نفّذَ وما لم ينفّذْ، ولماذا؟.