لماذا التغيير؟
أثار خطاب السيد الرئيس بشار الأسد أمام مجلس الشعب في افتتاح الدور التشريعي الرابع للمجلس جملة من المقاربات الدقيقة لآفاق التغيير وضروراته الموضوعية والذاتية، على نحو متكامل وواقعي في الوقت ذاته.
فإن كان التغيير سنة كونية واجتماعية وغريزية، فإنه على مستوى مؤسسات الدولة بحاجة إلى كثير من الضبط، وأوله وربما أهمه الضبط المفاهيمي بغية تصحيح كثير من المفاهيم أو إعادة صوغها على المستوى الوطني ككل، انطلاقاً من أن العالم يتغير والثقافة تتغير وكثير من القواعد في السياسة والاقتصاد يتغير كذلك، من دون التخلي بالطبع عن الثوابت، وهنا تصبح الأسئلة كلها مشروعة ولازمة: لماذا التغيير، وكيف، وما الذي علينا تغييره وذاك الذي لا يفترض تغييره، وبأي ذهنية أو خلفية فكرية نغير؟، والإجابات عليها أن تكون بمستوى الأسئلة وصرامتها وربما جرأتها.
ولا شك في أن سيادته في الوقت الذي يشير فيه إلى أن ثمة حراكاً تطويرياً في مؤسسات الدولة، وهو ما بات بالطبع حقيقة ملموسة وظاهرة للعيان، فإنه يؤكد على مستلزمات هذا الحراك وشروطه ليكون منتجاً، ومؤدياً بالفعل إلى التغيير الإيجابي، في نسق متكامل، سواء على مستوى شمول التغيير مؤسسات الدولة، أو على مستوى السياسات والرؤى، أو على مستوى الذهنية والنقد والمراجعة.
هنا لابد من العودة بالمراجعة إلى الوراء قليلاً وكثيراً، فكثير من محاولات التغيير تاريخياً أخفقت نتيجة قطيعتها مع الماضي ومع التراث، أو نتيجة غياب المراجعة المحايدة، أو إغراءات التجارب المستوردة التي توفر عناء البحث والمراجعة، وتضفي “ظاهرياً” على أي حراك تطويري سمة حداثية جاذبة.
لذلك يأتي تأكيد السيد الرئيس على هذه العودة في مكانه : “لابد من مناقشة الماضي بالمقدار نفسه الذي نناقش فيه الحاضر” لأن واقعنا على المستوى المؤسسي، مثالاً، ” هو نتيجة تراكمية لعقود من السياسات العامة” أياً كان توصيفنا لهذه السياسات التي نصنفها اليوم تحت عنوان الماضي، الأمر الذي يستدعي آليات للتفكير وذهنية تتواءم وعملية التغيير، لأننا ، والكلام لسيادته، ” نطالب بالتطوير ونرفض التغيير” لأسباب عدة، ومن هذا المنطلق فإن الحوار الوطني حول قضية التغيير وغيرها هو الفضاء الصحي الذي يمكن فيه لأبناء الوطن مجتمعين تحديد التوجهات العامة التي يعتقدون أنها مناسبة، الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى توفير الدعم الشعبي للسياسات الحزبية والحكومية على حد سواء.
وتشكل عملية المراجعة هذه شرطاً لازماً لوضع السياسات والاستراتيجيات العامة الهادفة إلى التغيير، والتي تتحول تنفيذياً إلى خطط وإجراءات، وهذا أمر في غاية الأهمية لأن كثيراً من القصور الذي شاب بعض التجارب السابقة كان مرده عدم وضوح السياسات والاستراتيجيات أو عدم واقعيتها، والأهم عدم الاستفادة من مراجعة السياسات والاستراتيجيات السابقة، إن كان هناك عملية مراجعة في الأساس.
قد يكون التغيير خياراً صعباً لكن لا مفر منه، فإن لم يكن اليوم فإنه سيأتي غداً حتماً، وعندها سيكون الخيار الأصعب، فتأجيل التغيير يعني الجمود وبقاء المشكلة في حالة استعصاء، ويزيد من كلف الحل في المستقبل، وهنا لابد من إزالة اللبس عن كثير من الإجراءات التي حملت طابع التغيير، وعلى سبيل المثال، ويمكن القياس على قضايا أخرى، قضية الدعم واقتصاد العدالة الاجتماعية، وعلاقتهما بالاشتراكية التي يقوم عليها فكر الحزب كراسم للسياسات وخطط الحكومة كجهاز تنفيذي لهذه السياسات، لذلك جاء كلام السيد الرئيس واضحاً ومباشراً: ” نحن لن نخلع عباءتنا الاشتراكية، سنبقى في المكان نفسه”، والتغيير لا يتعدى هامش الحركة والمرونة والتكيف مع الظروف المستجدة، وعلى ذلك فالضرورة الملحة اليوم على المستوى الشعبي والحزبي والحكومي هي الحوار البنّاء حول كثير من الأسئلة الصعبة لنتمكن من “تحديد الحلول الأكثر مناسبة والأقل ضرراً” على مستوى الوطن كله.
إذاً، التغيير وإن كان حتمية تاريخية، كما درج على وصفه المفكرون وعلماء الاجتماع، فإنه يأخذ في سورية في هذا الوقت طابع الضرورة، لتقديرات كثيرة حددها السيد الرئيس برؤية شاملة، وقابلة لتحويلها إلى أسس تُبنى عليها السياسات والخطط والإجراءات، ويبقى أن الأسئلة التي أثارها سيادته، بمنطق العارف للإجابات، هي الأسئلة التي ينطلق منها التغيير، وعلى السوريين إجراء حوار هادف وصولاً إلى إجماع أو توافق حولها.
الرفيق د. حسن الأحمد
عضو اللجنة المركزية للحزب
رئيس مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية