اقتصادالاقتصاد المحلي

المشاريع الصغيرة والمتوسطة في سورية بين الماضي والمستقبل

د. غسان الساكت – استاذ في كلية الاقتصاد بجامعة حلب

ركز السيد الرئيس في خطابه التاريخي أمام مجلس الشعب في الدور التشريعي الرابع على المشاريع الصغيرة والمتوسطة لما لها من أهمية كبرى لاقتصاديات دول العالم كافة، فهي العمود الفقري لهذه الاقتصاديات، حيث تعتبر هذه المشاريع الركيزة الأساسية التي تعتمد عليها دول العالم في الوقت الحالي لتنمية اقتصادها. اتجهت العديد من دول العالم إلى تنمية هذه المشروعات لأهمية دورها في التنمية الاقتصادية، فالمشروعات الصغيرة والمتوسطة والتي يبلغ عددها 400 مليون شركة تشكل ما يقارب 95% من إجمالي المشروعات حول العالم، كما تساههم في 50% من الناتج الإجمالي المحلي لدول العالم. وهي المصدر الرئيسي لخلق فرص العمل على مستوى العالم حيث تشكل 60%-70% من العمالة العالمية، إضافة إلى 40% من اجمالي الصادرات في العالم. من الطبيعي أن تختلف الأرقام السابقة من بلد لآخر وذلك بحسب طبيعة كل بلد وتقدمه ومدى اعتماده على بعض الموارد الأولية كالنفط والغاز… ومن المتوقع أنه على مستوى العالم وبحلول عام 2030 سيحتاج العالم لتأمين 600 مليون فرصة عمل، لذلك نرى مساعي العالم الحثيثة لتأمين فرص عمل بالاعتماد على المشاريع الصغيرة والمتوسطة. من خلال هذه الأرقام يبدو جلياً أهمية هذه المشاريع وضرورة إعادة بنائها في سورية على أسس ورؤى صحيحة تتناسب مع وضعنا الراهن وتخلق بيئة مناسبة للتطور والتقدم في المستقبل.
قال السيد الرئيس في خطابه التاريخي أمام مجلس الشعب بأن المشاريع الصغيرة والمتوسطة هي كل شيء في كل مكان ومجال. من هنا كانت رؤية السيد الرئيس بضرورة التركيز على المشاريع الصغيرة والمتوسطة كأحد الحلول الأساسية للعودة بوطننا الغالي إلى مكانه الطبيعي كأحد أهم دول المنطقة على كافة الأصعدة بما فيها الجانب الاقتصادي والصناعي. وهذه الرؤية ليست بالمهمة الصعبة التي لا يمكن تحقيقها رغم الصعوبات التي نعيشها من حرب وإرهاب وحصار وتضخم وقلة في الموارد، إضافة إلى تراكمات من السياسيات للعقود الست أو السبع الماضية والتي لم تكن مرنة بالقدر الكافي لتكون صحيحة في كل زمان ومكان، بل كما قال السيد الرئيس أنها كانت صحيحة في وقتها، لكن لا يمكن أن نتعامل معها على أنها قالب لا يمكن الخروج عنه. وانطلاقاً من تأكيد السيد الرئيس على ضرورة شرح الواقع دون تجميل وتحليله وطرح الحلول الممكنة، وبدراسة وتحليل لواقع المشاريع الصغيرة والمتوسطة قبل الحرب الإرهابية على سورية، وبالمقارنة مع الواقع الحالي نجد أننا أمام تراجع كبير جداً… لكن الدراسة التاريخية لهذه المشاريع تعطينا الأمل والطموح والإصرار على العودة إلى ما كنا عليه قبل الحرب على سوريا، بل وتطويره وتحسينه أيضاً.
الكل يتذكر واقع المشاريع المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة قبل الحرب وما لها من أهمية كبيرة في الاقتصاد السوري من جهة وحياة المواطنين من جهة أخرى، هذا الواقع الذي كان للدولة السورية دور كبير في دعمه وإنجاحه من خلال ما يلي:
 دعم مصادر الطاقة من محروقات وكهرباء والتي تعتبر أحد الركائز الأساسية للكثير من المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
 المساعدة على خفض تكلفة الإنتاج وذلك من خلال الدعم العام لجميع المواطنين والذي من شأنه تأمين حياة كريمة للمواطن برواتب بسيطة وبالتالي تكلفة انتاج منخفضة مقارنة مع باقي الدول المنافسة.
 التساهل الضريبي المعمول به في حينها والذي ساعد المستثمرين على تحقيق أرباح إضافية دفعتهم وشجعتهم على تطوير وتوسيع مشاريعهم.
 علاقات الدولة السورية الجيدة مع دول الجوار والعديد من دول العالم والتي من خلالها تم تأمين قنوات خارجية لتسويق المنتجات السورية وتصديرها، وبالتالي إيجاد مصدر مهم جداً للقطع الأجنبي تم استخدامه لتمويل تلك المشاريع وتطويرها.
 تأمين البيئة التشريعية المناسبة لعمل وتطوير هذه المشاريع.
وإذا ما عدنا لفترة ما قبل الحرب على سورية ومن خلال استقصاء آراء عدد كبير من الصناعيين والتجار وأصحاب مكاتب الشحن الخارجي وخاصة في مدينة حلب نجد أرقام ونتائج ممتازة لحركة التصدير والتي اعتمدت بشكل أساسي على مخرجات المشاريع المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، تركزت أغلب الصادرات على قطاعات اشتهرت بها مدينة حلب كالمنسوجات والألبسة والصناعات الجلدية والصناعات الغذائية وبعض الصناعات والحرف اليدوية، كذلك الأمر بالنسبة للمدن السورية الأخرى، فلكل مدينة ما يميزها عن باقي المدن، من هنا نجد توجيه السيد الرئيس وتأكيده على ضرورة وجود هذه المشاريع في كل منطقة في سورية وهذا لا يحققه سوى الإدارة المحلية الموجودة في كل مدينة وبلدة وقرية.
أكد السيد الرئيس على أن الرؤية الخاصة بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة مرتبطة بمجالات كثيرة تتوسع بحكم التطور العالمي، والنجاح فيها سينعكس بشكل مباشر وعميق على الحياة المعيشية والتطور المهني للأفراد وعلى عدالة التنمية بين الريف والمدينة وبين شرائح المجتمع المتنوعة. كما أكد السيد الرئيس على ضرورة تأمين كافة سبل النجاح لهذه المشاريع من خلال المزيد من اللامركزية وإعطاء دور لمؤسسات الإدارة المحلية لتكون الداعم لهذه الفكرة وذلك بهدف زيادة كفاءة المؤسسات واستقلاليتها.
تتمثل أهمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية على مستوى العالم وذلك من خلال العديد من الجوانب نذكر منها:
– علاج مشكلة البطالة والحد من الفقر وتحسين مستوى المعيشة وذلك من خلال توفير فرص عمل لعدد كبير من العمال في نطاق الصناعات الصغيرة والمتوسطة، فمثلاً تم توظيف حوالي 73% من إجمالي القوى العاملة الصناعية في اليابان و83% من حجم القوى العاملة في الولايات المتحدة الأمريكية.
– المساهمة في انتاج سلع وتقديم خدمات قابلة للتصدير إذ بلغت نسبة المساهمة في التصدير 40% لبعض دول غرب أوروبا والولايات المتحدة الامريكية.
– المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالتأثير الإيجابي على الناتج المحلي، حيث بلغ حجم المساهمة نسبة %52 من الناتج الصناعي الياباني.
– إن هذه المشروعات تمثل نواة للمشروعات الكبرى.
– تعمل على تنمية المناطق الريفية وتقليل نسبة الهجرة من الريف إلى المدينة، وعلى نطاق أوسع فإنها تساعد على تحقيق هجرة عكسية.
– تساعد على دعم الاكتفاء الذاتي لبعض السلع والخدمات بهدف التقليل من الاستيراد وتحسين مستوى الصادرات.
– تعمل على الاستفادة من الموارد المحلية بدرجة كبيرة.
– مواجهة التقلبات الاقتصادية بقدر من المرونة.
وأرى أنه وفي ضوء الوضع الراهن وللاستفادة من المشاريع الصغيرة والمتوسطة بما يتناسب مع البيئة السورية أقترح العمل على محورين على التوازي هما:
المحور الأول زيادة انتاجية المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحالية وذلك من خلال تشغيل هذه المشاريع بطاقاتها القصوى من جهة، وتقديم التسهيلات الضرورية والتي من شأنها خفض تكلفة الإنتاج من جهة أخرى، وبالتالي القدرة على المنافسة والعودة إلى التصدير ودخول الأسواق العربية والأجنبية.
المحور الثاني العمل على إعادة استقطاب الصناعيين والتجار السوريين المتواجدين خارج الدولة السورية وذلك من خلال وضع خطة عمل مطمئنة وجاذبة لهؤلاء المستثمرين، يتشارك في وضع هذه الخطة غرفتي الصناعة والتجارة، والوزارات المعنية، إضافة إلى سفارات الدول التي يعمل بها المستثمرين السوريين.