اقتصادالاقتصاد المحلي

سياسة استهداف سعر الصرف في سورية.. وتحديات الأزمة

د. ليندا علي إسماعيل

بحسب مصرف سورية المركزي، عمدت السياسة النقدية خلال فترة الحرب إلى دعم التوجهات العامة للدولة من خلال المساهمة في تنفيذ الخطط الحكومية الطارئة، الأمر الذي تطلب الخروج عن الهدف النهائي للسياسة النقدية والمتمثل باستقرار الأسعار والانتقال إلى استهداف سعر صرف الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية خلال هذه المرحلة. وعليه، أصبحت الأهداف المعلنة للسياسة النقدية ترتكز بالدرجة الأولى على استقرار سعر الصرف للحفاظ على قيمة الليرة السورية ومنع المضاربات بما يحقق التوازن بين قوى السوق، والمحافظة في نفس الوقت على مستوى الاحتياطيات الرسمية من العملات الأجنبية من خلال تنظيم سوق القطع وإدارته (تقرير أعمال مصرف سورية المركزي 2019).

وفي هذا الإطار، عمد المصرف المركزي منذ عام 2012 إلى التدخل في سوق القطع الأجنبي بائعاً ومشترياً للقطع بهدف ضبط سعر الصرف. حيث صدر القراران رقم 451 ورقم 452 لعام 2012 المتضمنان التعليمات التطبيقية لعمليات شراء وبيع المصرف المركزي العملات الأجنبية مع المصارف العاملة وشركات الصرافة، على الترتيب، لأغراض التدخل على أن تعتمد نشرة أسعار صرف العملات الأجنبية للتعامل مع المصارف ومؤسسات الصرافة المرخصة لأغراض التدخل. لكن أوقف مصرف سورية المركزي العمل بهذين القرارين في عام 2013 وأصدر القرارين 334 و337 اللذين تضمنا إجراءات تدخلية جديدة للمصرف المركزي في سوق القطع الأجنبي بحيث أصبح تحديد أسعار بيع وشراء القطع الأجنبي من مؤسسات الصرافة والمصارف المرخصة يتم بالاعتماد على نشرة أسعار الصرف الخاصة بالبيع والشراء الصادرة عن هذه الجهات.

بالإضافة لما سبق، صدرت مجموعة من القرارات والتشريعات المتعلقة بوضع ضوابط لعمليات البيع والشراء وتنفيذ الحوالات لدى المصارف وشركات الصرافة ومتابعة التقيد بها بهدف تنظيم سوق القطع الأجنبي (مثل القرار 873 لعام 2011، القرار رقم 249 لعام 2012، القرار 903 لعام 2021، القرار 98 لعام 2021 والقرار 1106 لعام 2021..). كما صدرت مجموعة من التشريعات الهادفة إلى ترشيد استخدامات القطع الأجنبي بما يتناسب وموارد الاقتصاد وإمكانياته عبر إعادة ضبط وتنظيم عمليات الاستيراد وتمويلها للمواد والسلع بحسب أولويتها وضرورتهاللمواطنين وللاقتصاد الوطني (تقارير أعمال مصرف سورية المركزي 2018، 2019). من هذه القرارات والتشريعات، تعميم مصرف مركزي رقم 803 لعام 2020، والقرار 1070 عام 2021 المتعلق بتمويل المستوردات باستخدام منصة الاستيراد، والذي تم انهاء العمل به بموجب القرار 970 لعام 2023الذي تم تعديلهلاحقا بالقرار 1130 عام 2023. وقد اتبع مصرف سورية المركزي مجموعة من الإجراءات الرقابية الهادفة إلى الرقابة على الأطراف المشاركة في سوق القطع الأجنبي بما فيها الرقابة على تنفيذ المرسوم التشريعي رقم 54 لعام 2013 والمرسوم التشريعي رقم 5 لعام 2024 بخصوص منع التعامل بغير لليرة السورية.

شهدت فترة الحرب أيضا العودة لتعدد أسعار الصرف. في الواقع، استخدمت سورية ولفترة طويلة نظام سعر الصرف المتعدد، والذي استمر العمل به حتى نهاية عام 2006 حيث صدر قرارالسيد رئيس مجلس الوزراء رقم ٥٧٨٧ تاريخ 2006 القاضي بتوحيد أسعار الصرف المطبقة على عمليات الدولة والقطاع العام وعلى عمليات القطاع الخاص في نشرة أسعار صرف واحدة. لكن مع بداية الحرب على سورية في عام 2011، تمت العودة لتعدد أسعار الصرف، وكان آخر قرار بهذا الخصوص هو القرار 777 تاريخ 12 – 6 – 2024 الذي حدد النشرات الصادرة عن المصرف المركزي واستخداماتها. بالتوازي، ونتيجة الضوابط والقيود المفروضة على الصرف، ظهرت السوق السوداء للصرف.

والسؤال: هل نجحت سياسة استهداف سعر الصرف في تحقيق هدفها المتمثل باستقرار الليرة السورية وحمايتها من الانهيار؟

للإجابة، من المهم بداية توصيف مشكلة أزمة الصرف في سورية.

برأينا، يغلب على أزمة الصرف في سورية بشكل أساسي ملامح أزمات الصرف من الجيل الأول Krugman,1979 حيث أدى عدم الاستقرار الأمني والعمليات الإرهابية بالإضافة إلى وجود عقوبات سياسية واقتصادية إلى تدهور في المتغيرات الاقتصادية الكلية، كالإنتاجية والإنتاج والصادرات وارتفاع التضخم، ما أدى بدوره إلى انخفاض في قيمة الليرة السورية. تكون الأزمة في هذه الحالة مرهونة بالحالة النفسية للمستثمرين المضاربين والذين يسعون إلى تحقيق الأرباح من خلال بيع العملة المحلية مقابل العملة الأجنبية. تنطلق هجمة المضاربة في الواقع من القناعة بأن السلطة النقدية لا يمكنها الاستمرار وسوف تتخلى عن نظام الصرف الثابت نتيجة تدهور في المتغيرات الاقتصادية الكلية. أدت هجمات المضاربة وهروب رؤوس الأموال بدورها لانخفاض إضافي في قيمة العملة، والذي حاولت السلطة النقدية مواجهته من خلال فرض الضوابط والتدخل في سوق الصرف. وقد عرف Krugman,1979 هذه الحالة بالحالة التي يفقد فيها البلد تدريجيا احتياطياته من النقد الأجنبي. كلما كانت احتياطيات الصرف كافية للتصدي لهجمة المضاربة فإن الأزمة تتأخر، أما في الحالة العكسية يصبح لا مفر من التخلي عن نظام الصرف الثابت والانتقال لنظام أكثر مرونة، أو التعويم لعدم كفاية الاحتياطيات للتدخل وإبقاء العملة أعلى من قيمتها الحقيقية.

وفي هذا الإطار، من المهم أن تكون السلطة النقدية واعية من البداية لأهمية الإدارة الجيدة للاحتياطي الأجنبي وعدم استنفاذه. فالاقتصاديات التي اعتمدت سياساتها الاقتصادية بشكل حصري على استهداف معدل الصرف ومن ثم تعرضت لأزمة وعرفت تدفقا عكسيا كبيرا لرؤوس الأموال كانت في الغالب غير قادرة على تخفيض قيمة عملتها في الوقت المناسب، ما أدى إلى استنفاد وخسائر كبيرة في احتياطياتها من الصرف الأجنبي. هذا الوضع تم مشاهدته في أزمة المكسيك في التسعينيات على سبيل المثال، حيث تم ارتكاب خطأ الدفاع عن سعر الصرف حتى الاستنفاد الكامل لاحتياطي الصرف الأجنبي. وبرأينا، فقد وقعت السلطة النقدية في سورية في بداية الأزمة في هذا الفخ، وأصدرت بعض القرارات التي أظهرت تخبطاً في السياسة النقدية. كما إن تدخلاتها في سوق الصرف لم تحظ بالإجماع، فالمزادات التي قام بها المصرف المركزي في بداية الأزمة، على سبيل المثال، أثارت الكثير من الانتقادات، حيث اتبع المصرف المركزي سياسة المزادات العلنية لتأمين جزء من احتياجات السوق من القطع الأجنبي، فباع في ثلاث مزادات متتابعة نحو 33 مليون دولار، وبسعر يفوق السعر الرسمي للدولار. إن الخطأ الأساسي كان بتوجيه المزادات باتجاه شركات الصرافة التي لا تمول العمليات التجارية في ذلك الوقت، بدلاً من التوجه إلى المصارف المتخصصة التي تمول المستوردات، فكانت النتيجة أنه تم استخدام هذه المبالغ في عمليات المضاربة في السوق.

بدأ التدهور الفعلي في سعر الصرف في عام 2013، حيث ارتفع سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار في السوق السوداء إلى 150 ليرة للدولار الواحد (في 18 أيار 2013). ويعتبر تأخر تدهور سعر الصرف حتى 2013 مبررا اقتصاديا من منطلق مفهوم عدم التجانس الوقتي، حيث يؤدي تدهور المتغيرات الاقتصادية إلى تراجع قيمة العملة الوطنية بفارق زمني. في مواجهة هذا التدهور، أعلن المصرف المركزي، في 20 أيار 2013، عن نيته بيع 100 مليون يورو في سياق عملياته المستمرة في التدخل. نتيجة لهذا التدخل، انخفض سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية في السوق السوداء نحو 4 ليرات، بتاريخ 23 – 5 – 2013، ليسجل 145 ليرة، فيما حافظ على استقرار سعر صرفه الرسمي مسجلا 99.45 ليرة.

لكن، وبالرغم من سلسلة التدخلات التي قام بها مصرف سورية المركزي (المعلن منها وغير المعلن)، استمر تدهور قيمة العملة الوطنية، الذي بدأ بشكل أساسي في عام 2013، ليصل سعر الصرف في السوق السوداء في أيار 2020 إلى 1590، ثم يقفز إلى 2600 في الشهر التالي، حتى وصل إلى ما يزيد عن 13000 حاليا. بالمقابل، فإن سعر الصرف الرسمي كان بعيدا عن الموازي حتى عام 2023، لكنه شهد أيضا قفزة في عام 2020 حيث تم رفع سعر الصرف من 438 في أيار 2020 إلى 820 في حزيران 2020، ثم 1259 في تموز 2020، ليستمر بالارتفاع حتى تجاوز 12000 حاليا. وقد أحدث الارتفاع الكبير المفاجئ في السعر الموازي وفي السعر الرسمي في عام 2020 حالة من عدم تأكد واليقين في السوق.

في الواقع، إن المفاجآت السلبية – في سياق عدم اليقين – يمكن أن تثير تحولات في الثقة، وبالتالي يكون تأثيرها في الأسواق أكثر من أهمية الحدث الفعلية. إن “قصر نظر الكوارث” ‘disaster myopia’ يلعب دورا كبيرا في سلوك المستثمرين، فعندما يوجد إيمان كبير (غير مبرر) بأنه لن يكون هناك انخفاض في قيمة العملة سوف يحصل رد فعل مفرط عندما يحدث هذا الانخفاض. توجد تكاليف كبيرة لعدم الشفافية ونشر المعلومات حول المؤشرات الاقتصادية الرئيسية في الوقت المناسب. عندما لا يظهر حجم المشكلة، إلا في وقت تخفيض قيمة العملة، سيحدث رد فعل مفرط، وانسحاب سريع للأموال. هذا الأمر حدث أيضا لدول أخرى، مثل أزمة المكسيك 1994 التي توضح تكاليف الفشل في نشر معلومات حول المؤشرات الاقتصادية الرئيسية بانتظام وفي الوقت المناسب، إذ ساهم ذلك بشكل أساسي في تفسير الانسحاب السريع للأموال من المكسيك، بعد تخفيض قيمة العملة الأولية بنسبة 15 ٪.

بالطبع، ندرك أنه كلما زادت درجة عدم اليقين بسبب الصدمات الخارجية (التي لا يسيطر عليها البنك المركزي) يكون على البنك المركزي أن يتوخي الحذر عند النشر أو الإعلان، حيث قد تكون مصداقيته على المحك. بالمقابل، عندما لا يكون هناك توجيه واضح يسود الاقتناع بحالة عدم التأكد فيكون لكل خبر سيء رد فعل أكبر منه.

من المهم الإشارة أيضا إلى أن التخفيض الرسمي لقيمة العملة يمكن أن يكون ذا تأثير سلبي أقل عندما يكون ضمن حزمة تعديل أوسع كأن يتزامن تخفيض العملة مثلا مع الإعلان عن تفعيل خط مقايضة أو خطوط ائتمان مع دول صديقة، كخط دفاع مهم يمنح الثقة.

وبالنسبة لضبط رؤوس الأموال والضوابط التي فرضت على الصرف، فإنها يمكن أن تكون كحل مناسب نظريا لقطع الحلقة المفرغة بما يمكَّن من وقف اتجاه السوق وحركات الهلع التي تقود الاقتصاد باتجاه وضع أزمة. لكن نجاح تطبيقها يواجه تحديات كثيرة إذ يمكن أن يجد القطاع الخاص وسائل التحايل والالتفاف على الضوابط، ومن ثم خروج كميات كبيرة من رؤوس الأموال، كما حصل في فترة الحرب في سورية. أصبح التهرب من ضوابط الصرف متفشياً إلى درجة أن الحكومة، التي واجهت ارتفاع التضخم وتدفقات رأس المال الخارجة، أدركت أنه أصبح من الصعب التحكم في سعر الصرف. يظهر الفساد هنا كمصدر هام لعدم فعالية السلطة النقدية.

فعالية استهداف سعر الصرف في ظل تعدد أسعار الصرف

مع بداية الحرب على سورية، في عام 2011، تمت العودة لتعدد أسعار الصرف كما أشرنا. وقد صدرت عدة قرارات وتشريعات بخصوص أسعار ونشرات أسعار الصرف الصادرة عن مصرف سورية المركزي واستخداماتها، كان آخرها القرار رقم 777 الصادر بتاريخ 12 – 6 – 2024، والذي تضمن لأول مرة نشرة أسعار الصرف الرائجة، وهي يومية، يحدد فيها سعر صرف الدولار وفق سعر قريب من سعر السوق غير النظامية، وبحيث لا يقل عن 1.5% عن سعر السوق غير النظامية.

يمكن لتعدد أسعار الصرف أن يخصص بعض الوقت الإضافي للحكومات في محاولاتها لإصلاح المشكلة المتأصلة في ميزان مدفوعاتها، وهذا الوقت الإضافي مهم بشكل خاص لأنظمة الصرف الثابتة. يستخدم تعدد أسعار الصرف بشكل أساسي كوسيلة لتخفيف الضغط الزائد على الاحتياطيات الأجنبية ووسيلة لمواجهة طلب المستوردين على العملات الأجنبية، بحيث يتم في حالة عدم وجود احتياطيات أو تمويل على سبيل المثال إعطاء الأولوية لتمويل المواد الأساسية (وفي هذا الإطار، صدرت في سورية مجموعة من القرارات بهذا الخصوص مثل قرار لجنة إدارة مصرف سورية المركزي رقم 251 لعام 2020 المتضمن تمويل توليفة من المواد الأساسية استناداً إلى سعر الصرف التفضيل، القرار 1070 الخاص بتمويل مستوردات القطاعين الخاص والمشترك، بحيث يتم تأمين تمويل المواد الأساسية من السكر والرز والزيت والأدوية وغيرها عبر المصارف، وحسب أسعار الصرف الرسمية).

كما يعتبر استخدام أسعار الصرف المتعددة وسيلة ضمنية لفرض الرسوم الجمركية أو الضرائب، حيث يفترض أن يعمل سعر الصرف المنخفض على واردات المواد الغذائية مثل الدعم، في حين يكون سعر الصرف المرتفع على الواردات الكمالية بمثابة “فرض الضرائب” على الأشخاص الذين يستوردون هذه السلع التي تعتبر في وقت الأزمات غير ضرورية.

في حين أن نظام أسعار الصرف المتعددة قد يبدو وكأنه حل جيد في أوقات الأزمات، إلا أن له بالمقابل نتائج سلبية. ففي كثير من الأحيان، يؤدي سعر الصرف المتعدد إلى تشويه الاقتصاد وسوء تخصيص الموارد. على سبيل المثال، إذا تم منح صناعة معينة، في سوق التصدير، سعر صرف أجنبي موات، فسوف تتطور في ظل ظروف مصطنعة. يمكن أن يؤدي نظام سعر الصرف المتعدد أيضا إلى الحماية الضمنية لبعض القوى الاقتصادية ويفتح الأبواب لزيادة الفساد، حيث يضغط أصحاب المصالح لمحاولة الحفاظ على المعدلات التي تناسبهم؛ وهذا، بدوره، يطيل من نظام غير فعال بالفعل. هناك مشكلة أخرى ذات صلة بأنظمة سعر الصرف المتعددة – خاصة إذا أصبح السعر مبالغًا فيه (السعر الرسمي مقيّم بأعلى من قيمته الحقيقية) – وهي صعوبة بالغة في منع تسرب المعاملات من سوق إلى آخر. من الأمثلة النموذجية لذلك المصدرون الذين يُطلب منهم تسليم إيصالات صرف العملات الأجنبية إلى البنك المركزي بالسعر الرسمي، لكنهم بدلاً من ذلك يخفون بعض تلك الإيصالات ويبيعونها في السوق السوداء بمعدل صرف أكبر. عندما يخفي المصدرون إيصالاتهم من الحكومة لبيعها في السوق السوداء، من المحتمل أنهم يخفون أيضاً دخلهم من السلطات الضريبية. وبالتالي يحدث انهيار متزامن لأنظمة سعر الصرف وتحصيل الضرائب.

بكل الأحوال، فإن النظام المتعدد لسعر الصرف يقيد فعالية السياسة النقدية ويجعل من الصعب على البنك المركزي أن يستهدف سعر صرف موحَّد. وعليه، من الناحية المثالية، ينبغي للسلطات أن تطبق نظاما مزدوجا أو متعددا للصرف وفرض ضوابط على الصرف في نفس الوقت الذي تتبع فيه سياسات الاقتصاد الكلي المناسبة’ بحيث لا تكون ضوابط الصرف كبديل ضعيف للسياسات النقدية والمالية المناسبة، وبحيث تكون سياسة تعدد سعر الصرف مؤقتة لمرحلة الأزمة. فسياسات الاقتصاد الكلي تعد في الواقع أكثر أهمية بكثير من سياسات سعر الصرف في ضمان استقرار الأسعار والناتج.

في النهاية، الجدل برأينا لم يعد بخصوص نظام الصرف الأمثل، وإنما بخصوص السياسة النقدية المثلى. فالمسألة تتعلق بشكل أساسي بتحديد درجة إدارة معدل الصرف في ظل نظام الصرف المطبق، والوزن الذي يجب منحه لمعدل الصرف في السياسة النقدية، وهنا من المهم الإشارة إلى أن تفضيلات أصحاب المصالح، وفق نظرية الاقتصاد السياسي، يمكن أن تؤثر على القرارات بهذا الخصوص، إذ يمكن أن يكون صانعو القرار أكثر ميلاً لتفضيلات مجموعة معينة من أصحاب المصالح الذين يمارسون ضغطا عليهم. بحسب هذه النظرية، وكما يشرح Frieden (1991)، يمكن أن تنقسم المصالح بين مجموعة تفضل نظام صرف مستقر ثابت أو أقل مرونة، كالمتعاملين في التجارة الخارجية والمدفوعات الدولية، كونهم يتأثرون بتقلبات سعر الصرف، وبين مجموعة لا تتأثر أعمالها بشكل مباشر بسعر الصرف فتعطي الأولوية لاستقلالية السياسة النقدية بدلاً من ثبات سعر الصرف. وبنفس المنطق، يفضل البعض كأصحاب الصناعات المحلية التي تنافس الواردات أن تكون قيمة العملة المحلية منخفضة بما يجعل الواردات الأجنبية المنافسة أغلى ثمناً، في حين أن منتجي البضائع غير المتاجرة يتضررون من انخفاض قيمة العملة.

بكل الأحوال، وكما أشار سيادة الرئيس بشار الأسد، “أيا كان الخيار، يجب أن نتحمل مسؤوليته، فلكل اتجاه سلبيات وإيجابيات، وعلينا أن نحدد أيهما أكثر مناسبة لنا… وقد يكون الخيار في أغلب الحالات هو الخيار الأقل سوءاً وليس الأفضل”.

أستاذ مساعد – كلية الاقتصاد – جامعة تشرين