نافذة على الصين

عن شاوشينج التي ربطت ماضي الصين بحاضرها وجمعت “شاعرية” فينيسيا بأصالة الشرق

تأخذك شاوشينج “مدينة الحرير الصينية” بجمالها وتنظيمها ونظافتها وتنوعها العمراني المتطور والملفت، بجولة تربط مابين الماضي والحاضر بانسجام يصعب لمسه في أية مدينة، فالوجه الاقتصادي والتجاري والعمراني الحديث، يحمل بين طياته مدينةً قديمة لا تزال تحافظ على طابعها التاريخي بكل تفاصيله، لتفاجئك بما تحتويه من بساطة وتراث وجمال اختارت سلطات المدينة أن تبقيه على حاله، ليرى زائروها الوجه التاريخي والثقافي لواحدة من أقدم المدن الصينية التي يعود تاريخها إلى 2800 عام.
هي مدينة الحرير بآلاف منشآت النسيج التي تضمها، ومدينة الأنهار التي تعبر من أزقة المدينة لأهم وأكبر أحيائها الحيوية، وكذلك مدينة الجسور الخشبية والحجرية، فيما يفضل زوارها تسميتها “فينيسيا الشرق” فجولة في القوارب الخشبية في الأنهار التي تعبر المدينة طولاً وعرضاً، تجعلك تستحضر “رومنسية البندقية” بروح شرقية تغذي المكان، ولا يمكنك إلا أن تلاحظ مدى العناية بنظافة تلك الأنهار رغم عبورها بأحياء وأزقة سكنية ضيقة، وامتدادها على طول المدينة وعرضها، فيما تلحظ أن للمياه والأنهار اقتران كبير بروح المدينة المحاطة بها من كل اتجاه.
أن تسير في شوارع شاوشينج القديمة يعني حتمية استحضار الطابع الشرقي الذي لا تخلو مدينة عربية قديمة منه، فتعبر في أزقة بالكاد تتسع لشخص واحد أو اثنين، على جانبيها منازل منها ما لايزال حجرياً أو قرميدياً كما كان من مئات السنين، تلفتك بساطة سكان تلك الأحياء وعفويتهم في استقبال السواح الذين يعد وجودهم أمراً اعتيادياً في المدينة التراثية، ولا تستغرب أبواب البيوت المفتوحة على جانبي تلك الأزقة، فكما هو حي سياحي هو أيضاً حي شعبي، يحافظ على هذا الطابع فيه مما يضفي المزيد من الحياة على المكان، يرحب بك الأهالي ويدعونك للشاي أو لتناول الطعام الذي تفوح رائحته في الحي، أو للنقاش في خبر مكتوب بصحيفة يقرؤها أحدهم أمام باب بيته.
وبعد جولة مفعمة بالأصالة، تصل إلى جسر بازي أحد أقدم الجسور في الصين، والذي يحافظ طرازه وعمرانه الحجري القديم، ويعد وجهة سياحية رئيسية في المدينة، يضفي على المكان جمالاً ساحراً بالنباتات العشبية التي تزينه والقوارب الخشبية التي تصطف أسفله، وأشجار الصفصاف التي تنتشر على جانبي النهر، فيما يعج المكان بالزوار الذين يصطفون لالتقاط الصور التذكارية ومقاطع الفيديو التي تنقل أجواء المدينة الهادئة والمفعمة بالجمال.
نجحت شاوشينج في الحفاظ على العديد من المواقع التاريخية المهمة ثقافياً، مما جعلها وجهة سياحية شهيرة للغاية، كما تضم عدداً كبير من المتاحف لمدينة بحجمها نظراً لمواردها الثقافية الغنية، وتتمتع بأجواء نظيفة، إذ تحظى بأفضل تصنيفات مؤشر جودة الهواء في المناطق الساحلية للصين، وتقع المدينة في مقاطعة تشجيانغ بشرق الصين، وتمتد على جانبي القناة الكبرى، وهي واحدة من المدن التاريخية الشهيرة في الصين، وكذلك مدينة ثقافية تشتهر بالأعمال الفنية الرائعة والرسومات والخطوط الجميلة التي تنال إعجاب كل من يزورها.
وتعد شاوشينج قاعدة هامة لإنتاج وتسويق المنسوجات في الصين، وتسيطر على أسعار تجارة المنسوجات في السوق الصينية، وهي مركز رئيسي على طريق الحرير في السابق وحتى اليوم، ومما لا شك فيه أنها مدينة تستحق الزيارة ليس لمرة واحدة فقط، بل تحتاج مرات عدة للتمتع بجمالها، وفهم التنوع الذي تحمله بين التاريخ والحاضر بكل تطوره.

ريم ربيع