ثقافة وفن

الراحل طلحت حمدي ووعيه لسياسات الدراما “التركية” المعربة العدوانية

من بين التواريخ العديدة التي تحملها روزنامة الأيام بتاريخ اليوم، يتوهج تاريخ رحيل واحدا من القامات الفنية السورية الكبيرة؛ قامة لم يكن لديها الفن الذي قدمته فاصلا ترفيهيا بين نشرتي أخبار، بل نشرة أخبار سياسية اجتماعية فنية ثقافية أيضا مجتمعة، تاريخ رحيل الفنان الكبير طلحت حمدي، الذي أغلق عينيه المتوهجتين في مثل هذا اليوم من عام 2012، بعد أن غدرت به ذبحة قلبية حادة، كان أحد أهم أسبابها، حزنه الشديد على ما كان يجري في البلاد التي أحبها، وعاش عمره كله بين ربوعها، فذلك الشامي الأصيل، سعى من خلال أعماله المهمة في كل من المسرح والسينما والتلفزيون، إلى حمل راية التنوير الفكري الشاقة، معبراً عن رؤيته لمهمة الدراما في تسليط الضوء على المشكلات الاجتماعيّة، مترجماً هذه الرؤية من خلال عمله الدؤوب في الدراما السورية إلى أعمال تركت بصمتها التي لا تنسى في الذاكرة الشعبية من (أنشودة المطر، حارة الجوري، طرابيش) العمل الذي أثار زوبعة عام 1992 بتسليطه ضوءاً قوياً على أهم قصة من قصص الفساد التي مرت بالبلاد وهي قصة فساد جامعي الأموال في سورية، وبالتأكيد ما من مرة يجيء ذكره كفنان، إلا ويلمع فورا في الحديث، الشخصية الأكثر شهرة التي قدمها في الدراما التلفزيونية، والتي يُعتبر من مؤسسيها، شخصية “شوكت القناديلي” التي لعبها في المسلسل الشهير “حمام القيشاني” تأليف دياب عيد، إخراج هاني الروماني، في الأجزاء الأربعة منه “2-3-4-5” ليشاهد الجمهور أداء ممتعا وفذا لشخصية التاجر الدمشقي الوطني، المنفتح العقل والقلب، دون تخليه عن أصالته الدمشقية، والتي تمثلت في زيه الشامي وفي لهجته المحنكة، والتي وازنت بدقة بين المشاعر المختلفة التي اعتملت في دواخل الشخصية ونوازعها، ما بين الحب والغضب، الفرح والحزن، الفخر والانكسار وغيرها.

الأصالة التي تمسك بها الفنان الراحل، لم تكن حالة يقدمها أمام الكاميرا فقط، بل كانت أيضا جزء من وعيه الفني والوطني، فكان له العديد من المواقف المهمة في طبيعة الأعمال الدرامية المحلية، ومنها بشكل خاص أعمال ما عرف بالبيئة الشامية، والتي كان له موقفه الصريح والواضح فيها، دون أن يخشى كالكثير من الفنانين، أن يغضب عليه هذا المخرج أو ذاك المنتج، حيث قال: “إن هذه الأعمال صورة مشوهة عن بيئتنا الحقيقية وتزييف لا يليق بنا وبتاريخنا”، كما أنه استشعر خطر الدراما “التركية” المعربة، رابطا بحدسه الأصيل بين الخلفية الحقيقية لهذه الأعمال، وبين السياسات العدوانية التي تروج لها تلك الأعمال وإن كان بشكل غير مباشر، وفق مقولة رددها وقالها مرارا: “عدو جدك ما بيودك”.

بطاقة شخصية

مخرج وممثل سوري، تولد 1941عمل في مجال التلفزيون لفترة طويلة، وكان له تجربة في الإنتاج لم تدم طويلا بسبب سيطرة شركات الانتاج التلفزيوني، تسعينيات القرن الماضي، انضم إلى نقابة الفنانين عام 1968، وكان متزوجا من الفنانة السورية الراحلة سلوى سعيد.

تمّام بركات