مساحة حرة

الحرب على المنطقة في حلقتها الجديدة ؟

على الرغم من وضوح بنود القرار الدولي 2170 الصادر عن مجلس الأمن الدولي في الخامس عشر من آب الماضي حول محاربة التنظيمات الإرهابية ” داعش” و”جبهة النصرة ” وضرورة منع وصول الامدادات إليهما وتحميل الدول الداعمة لهما مسؤولية قانونية تجاه ذلك، وخاصة البند الذي أكد على ضرورة الحصول على موافقة البلد الذي توجد بداخله مواقع التنظيمات الإرهابية، أو بتفويض من مجلس الأمن الدولي قبل البدء بأي خطوة عسكرية في الحرب على الإرهاب وخاصة في كل من العراق و سورية، والتأكيد على احترام سيادة الدول وفق القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، نجد أن الإدارة الأمريكية قامت بخطوات عملية بقصف قواعد ومقرات ” داعش” و”جبهة النصرة ” في العراق بالتنسيق مع الحكومة العراقية وبطلب منها ، وكذلك في كل من الرقة دير الزور وريف إدلب في سورية بعد إعلام مسبق للحكومة السورية عبر مندوبها الدائم في الأمم المتحدة، وتنسيق مخابراتي خجول لم يعترف به الجانب الأمريكي مع الحكومة السورية ، حيث تم التنسيق بوساطة طرف ثالث وفق ما أكدته وسائل إعلام عديدة ومنها أمريكية ، السؤال الذي يدور في الجلسات الشعبية والرسمية وتناقلته وسائل التواصل الاجتماعي بكثافة ، هو : ” هل تُعتبر الضربة الأمريكية لمواقع الإرهاب على الأراضي السورية خرق للسيادة السورية ومقدمة لتجاوز القانون الدولي والقفز فوق المجتمع الدولي في خطوة شبيهة بما قام به جورج بوش عام 2003 عند احتلاله للعراق ؟ وما هي مواقف حلفاء سورية الأساسيين مما يحصل ؟

أكدت الخارجية الروسية في بيانها الصادر يوم الثلاثاء 23 / 9 بأنه على الولايات المتحدة الأمريكية الحصول على موافقة الحكومة السورية قبل أية ضربة داخل أراضيها ، وليس الاكتفاء بإبلاغ السوريين عن موعد الضربة ، أو اتخاذ قرار دولي بذلك ! بينما رأت طهران في انتقاد علني للضربة من قبل الرئيس حسن روحاني شخصياً الذي وصف : ” بأن الضربات الأمريكية لمواقع الإرهابيين داخل الأراضي السورية غير شرعية لأنها جاءت بدون موافقة سورية ، أو إذن من مجلس الأمن الدولي ” ، كما رفض السيد حسن نصر الله قائد المقاومة اللبنانية في كلمته الدور الأمريكي المشبوه في التحالف ، حيث قال : أمريكا أم الإرهاب وأصله وليست بموقع أخلاقي يُخوّلها قيادة تحالف ضده ، وهي الداعم المطلق لدولة الإرهاب الصهيونية ، ومن حق كل شعوب المنطقة أن يُشككوا في نواياها تجاه ما يُسمى بالتحالف الدولي لمحاربة ( داعش ) لأنه فرصة أو ذريعة لتعيد أمريكا احتلالها للمنطقة من جديد ..

الحرب على المنطقة تدخل في الحلقة الجديدة التي زادت الأمور تعقيداً ، في الوقت الذي كانت فيه الحكومة السورية وقيادتها السياسية تناشد دول العالم منذ أكثر من ثلاث سنوات مضت للتحرك من أجل وقف حركة الإرهاب العابر للحدود لما يُشكله من خطر كبير ليس على مستقبل وتاريخ المنطقة فحسب ، بل كذلك على الأمن والاستقرار العالمي ، كانت الولايات المتحدة وشركاؤها في ما يُسمى بالتحالف الدولي الأخير لمحاربة ” داعش ” يُقدمون التسهيلات والدعم المالي والعسكري للتنظيمات الإرهابية بكل اطيافها بما فيها داعش التي وصلت إلى ما هي عليه اليوم بفضل هذا الدعم والمواقف السياسية واللوجستية التي شكلت لها الغطاء الدولي لتقوية عودها وانتشارها على مساحة واسعة من العراق وسورية .

وإذا كانت الولايات المتحدة وشركاؤها في التحالف المشبوه الذين هم جميعاً من أعداء سورية وشركاء في الحرب الدائرة عليها منذ بدء الأزمة السورية في عام 2011 ، يعتقدون بأن ما عجزوا عن تحقيقه ضد سورية وجيشها وشعبها على مدى أكثر من أربعين شهراً مضت ، سيحققونه عبر ضربات جوية مركزة على مواقع محددة وتحرير مناطق معينة من تنظيم ” داعش ” الإرهابي من أجل تسليمها لعملاء آخرين من تنظيات إرهابية جديدة ، والعمل على إقامة مناطق عازلة كما يُطالب السلطان العثماني ” أردوغان ” ، نقول لهم إنكم واهمون ، فسورية التي حاربت الإرهاب منذ بداية الأزمة واستطاعت تكسير أذرعه في أغلب المناطق السورية ، تستطيع اليوم مواجهة العدوان بكل ألوانه وأشكاله باقتدار وحنكة سيُفاجئ بها العدو ، وإن مقولة إن سورية غير قادرة على المواجهة قاصرة وجاهلة لأن سورية لم تزل لديها من القوة ما يؤهلها للدفاع عن سيادتها واستقلالها بكل الوسائل المتاحة ، وهي كما قال السيد الرئيس بشار الأسد لمستشار الأمن الوطني العراقي : ” إن سورية ماضية بكل حزم في الحرب التي تخوضها منذ سنوات ضد الإرهاب التكفيري بكل أشكاله وهي مع أي جهد دولي يصب في مكافحة الإرهاب .. مؤكداً سيادته بأن نجاح هذه الجهود لا يرتبط بالعمل العسكري على أهميته ، بل أيضاً بالتزام الدول بالقرارات الدولية ذات الصلة وما تنص عليه من وقف كل أشكال دعم التنظيمات الإرهابية ” .

يرى أغلب المحللين والمتابعين الذين تناولوا الضربة الأمريكية المشتركة على مواقع الإرهاب في سورية ، بأنها حمالة أوجه ، وتحمل اختبار للمواقف الدولية من جهة ، ولجم قدرات الإرهابيين من الجهة الأخرى ، وإن شعوب المنطقة بغالبيتها لا تثق بالنوايا الأمريكية وغير مطمئنة لها ، لذلك تُمثل تلك المرحلة مفترق طرق جوهري في حركة تاريخ المنطقة والجيوسياسة الجديدة المرسومة لها ، ومن المؤكد بأن القادم من الأيام يحمل الكثير من الأسئلة والاحتمالات والنتائج ..

محمد عبد الكريم مصطفى

البعث ميديا