مساحة حرة

واحداً….. أو أقلّ!

…. فماذا نحن فاعلون إذاً؟

إن كانت اللغة المؤلفة من أحرف الجرّ، والكلمات البسيطة، قابلةً للتحوّل إلى لغة خشبيةٍ، بسبب أحرف العلّة في عقول بعض قرّائها، وبسبب “أفعالهم الناقصة” وشخصياتهم “المشبهة بالفعل”؟

لم يعد بإمكانك أن تتحدث عن الحق، والغضب، والصمود، والعدالة، والثوابت، والتحرير، لأن “النجّارين” المناوبين أمام مستودعات”البروتوكول”، سيتهمونك باستخدام اللغة الخشبية، في زمن الاعتدال، والمرونة، وربطات العنق الفاخرة! لكنّ المشكلة الحقيقية، لا تتوقف عند اللغة الخشبية الجامدة، فالورطة الحقيقية هي أنّ دعاة استخدام لغة “الجلّ” GELL المرنة، لم يقدموا أنموذجاً واضحاً لدلالاتها، ولحسن استخدامها، اللّهم إلاّ تسريحة “سبايكي”، وهو أمر يزحلق أمهر الخطباء، إذا لم يستخدم اللهجة الأميركية “كوسائل إيضاح”، لخطابه السياسي مسبق الصنع!

اللغة الخشبية كانت تحشد العرب من الماء إلى الماء، قبل ابتكار مصطلح الاعتدال!     كان من عادة الحكام العرب أن يمارسوا “الباطنية السياسية” فلا يتجرؤون على إطلاق موقف “علنيّ”، يساند الولايات المتحدة الأميركية، لأنها تعادي ـ بوضوح ـ الناطقين باللغة الخشبية ـ الضّاد سابقاً! وكانوا يحذرون من إبراز خلافاتهم ـ مهما صغرت ـ إلى العلن، قبل أن يتخلوا عن “سرّية عاداتهم”! وقبل انهيار المحظورات، وتخطّي المحرّمات، وتحوّل المواقف، بكل أبعادها السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، فأصبحت الأحقاد والحروب عربيةًـ عربيةً، وأصبحت الجامعة العربية مأوى العجزة، ومختبر إنتاج اللقاحات المضادة للعروبة، حتى لا يتسرّب إلى المستقبل نسلٌ، يعيد الصراخ باللغة التي يجتهد المعتدلون في تحويلها إلى لغة منقرضة!

فلسطين عربية: لغةٌ خشبيةٌ! والدولة اليهودية: لغةٌ معتدلةٌ!

اللّغة الخشبيّة كتبتْ: فلسطين عربية، وكتبتْ: حرب تشرين، والحظر النفطيّ على الغرب، والمقاومة الفلسطينية، وحزب الله، وتحرير الجنوب اللبناني؛ بينما “أبدعت” لغة المعتدلين مصطلحاتٍ وسياسات جديدة: القدس عاصمتان! والدولة اليهودية، وداعش، وبترول العرب للأميركيين!

كنا عرباً فأصبحنا “بجهود” المعتدلين، وأموالهم، طوائف!

غير أن المجتهدين في اعتدالهم، لم ينتبهوا إلى صفحة “الفهرس” المفتوحة على نهايات سوداوية، في جميع الكتب الصادرة عن مراكز الدراسات الأميركية؛ حيث تحدّد لكلّ لحيةٍ مساحات الوجه التي يجوز لها أن تتبعثر فيها! قبل أن “يجزّها” حلّاق التضاريس، دون أن يكلّف ملامح وجهه عناء الابتسام، في وجه زبونه المحال إلى مستودع المواد المستعملة البالية!

لا…ولم ينتبه المعتدلون ـ أيضاً ـ إلى أن اللغة الخشبية، ما تزال قيد الاستخدام في قواميس عدوّهم، على ذمة الاستدعاء المباشر، حالما تستدعي الضرورة تذكير العرب السابقين، بأنهم عربٌ يمثّلون ـ ويا للمفارقة الساخرة ـ تهديداً للدولة اليهودية!

يكفي أن تتحدث عن حق العودة، حتى يمتشق عدوّك خرائط الرمل، محدداً أكثر من عشرين دولةً (لا بارك الله) يسمّيها عربيةً! ويذكّر محاوريه ـ بعد إلغاء العداء الذي يقتضي التفاوض ـ بأن العرب مشهورون بإغاثة الملهوف! فلماذا لا يغيثون إخوانهم الفلسطينيين، ليقيموا بينهم بلا رجعة، وكفى الله المتخاذلين…..!

ليس مفهوماً ـ حتى تاريخه ـ كيف تمكّن التأثير الماحق لفقهاء اللغة، من زراعة المفاهيم الخشبية، ومفرداتها، في أذهان العدوّ! إلى الحدّ الذي يجعله يستخدم لغةً أحالها مؤلفوها على التقاعد المبكّر، لانتهاء صلاحية استخدامها في “النادي الحضاري”، القائم على التفاوض، والتفاوض، والتفاوض، تمهيداً للتفاوض، من أجل الاتفاق على التفاوض، برعاية الوسيط “النزيه”، وأبناء عمه “البررة”، من مجتمع دوليّ وما شابه ذلك!

صحيح أن الفصاحة العربية، بالغة التأثير في نفوس المستمعين إليها، لكنّ كبار الحائزين على جوائز ثقافية من الحكّام العرب، لا يجيدون القراءة والكتابة! ولذلك لا بد من البحث والتقصّي، بكلّ سوء النيّة الممكن! لمعرفة أسباب هذا الشغف الهابط على عدوّنا، في تمثّل، وتطبيق قوله تعالى: يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم”!

فتّش عن “الحاجّة” أميركا! فالأميركي المهموم بضمان الأمن الإسرائيلي، وبالتفوق الإسرائيلي، وبردع أي توجه عربي، يمكن أن يشكّل ـ الآن أو مستقبلاً ـ تهديداً للأمن الإسرائيلي؛ هذا الأميركي يرفض أي خطاب يحمل في مضامينه ولو بذوراً أوليّةً، يمكن أن تشكل وعياً مؤسساً على الرابطة القومية العربية لدى الأجيال القادمة، لأنه يدرك أن المشروع القومي ـ وحده، ومهما تعرض لانتكاسات وتراجعات ـ يظلّ المشروع القادر على إعادة بناء الواقع العربي، بناءً يؤهّله لمواجهة أطماع الآخرين، ولإجهاض مؤامراتهم؛ ولذلك تعمل مراكز الأبحاث، بجهود محمومة، على تفكيك، ونسف هذه الرابطة القومية، لحساب داعش وغيرها، من الشركات الإرهابية المدرجة على لائحة البورصة السياسية الأميركية، المستثمِرة في الطوائف والمذاهب. لأنّ العربيّ لا يكون إنساناً جيداً في المفهوم الأميركي، ما لم يكن واحداً….أو أقلّ!

 

عصام خليل